الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

حكم من يعمل شهرا ليأخذ الراتب ثم يترك العمل

385494

تاريخ النشر : 26-11-2022

المشاهدات : 2776

السؤال

ما حكم من يشتغل بوظيفة شهر فقط ليأخذ الراتب، ثم يفصل هل يجوز هذا؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

عقد الإجارة عقد لازم، فلا يجوز لأي من الطرفين فسخه إلا برضى الطرف الآخر.

قال البهوتي رحمه الله:

"والإجارة عقد لازم من الطرفين، لأنها نوع من البيع ، فليس لأحدهما فسخها لغير عيب أو نحوه" انتهى من "الروض المربع" (5/326).

فإذا تم العقد بين الطرفين فهو لازم لهما، لا يجوز لأي منهما فسخه، أو الإخلال بما تضمنه العقد إلا برضى الطرف الآخر.

ثانيا:

هذا الشخص المسئول عنه لم ترد معلومات كافية في السؤال عن عقد الإجارة الذي يتفق عليه حتى يتم الجواب عنه جوابا واضحا.

فإن كان العقد محدد المدة كسنة مثلا، ولكنه لم يلتزم بالسنة: فلا يجوز له ذلك، بل ذهب بعض العلماء (الحنابلة) أنه لا يجوز له أن يأخذ راتب الشهر الذي عمله، لأنه لم يف بالعقد، إلا إن رضي الطرف الآخر بذلك، وذهب الجمهور إلى أنه يستحق أجرة على المدة التي عملها.

قال ابن قدامة رحمه الله:

" إذَا اسْتَأْجَرَ عَقَارًا مُدَّةً ، فَسَكَنَهُ بَعْضَ الْمُدَّةِ ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ الْمَالِكُ ، وَمَنَعَهُ تَمَامَ السُّكْنَى ، فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ .

وَقَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ: لَهُ أَجْرُ مَا سَكَنَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مِلْكَ غَيْرِهِ عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاوَضَةِ ، فَلَزِمَهُ عِوَضُهُ كَالْمَبِيعِ إذَا اسْتَوْفَى بَعْضَهُ، وَمَنَعَهُ الْمَالِكُ بَقِيَّتَهُ، كَمَا لَوْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْبَاقِي لِأَمْرٍ غَالِبٍ .

وَلَنَا : أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهِ مَا عَقَدَ الْإِجَارَةَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ لَهُ كِتَابًا إلَى مَوْضِعٍ، فَحَمَلَهُ بَعْضَ الطَّرِيقِ" انتهى من "المغني" (8/26).

وقد يكون الاتفاق بين الطرفين على أن يعمل الموظف عند الآخر، كل شهر بكذا، بدون تحديد مدة، وهذا يعني أن مدة العقد شهر، وتتجدد تلقائيا بدخول الشهر الجديد، وإذا أراد أحد الطرفين عدم التجديد قبل دخول الشهر الجديد، فله ذلك.

قال ابن قدامة رحمه الله في "المقنع":

"وَإنْ أكْرَاهُ كُلَّ شَهْرٍ بدرْهَم، أوْ كُلَّ دَلْو بتَمْرَةٍ، فَالْمَنْصُوصُ: أنهُ يَصِحُّ، وَكُلَّمَا دَخَلَ شَهْرٌ لَزِمَهُمَا حُكْمُ الْإجَارَةِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ عِنْدَ تَقَضِّي كُلِّ شَهْر".

قال المرداوي في "الإنصاف" (14/305) تعليقا عليه:

"هذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. قال الزَّركَشِيُّ: هو المَنْصوصُ [يعني : عن الإمام أحمد]، واخْتِيارُ القاضي، وعامَّةِ أصحابِه، والشيخَين...

قوله: "وكلَّما دخَل شَهْر، لَزِمَهما حُكْمُ الإجارَةِ" . هذا تَفْرِيعٌ على الذي قدَّمه. وهو المذهبُ. قال المُصَنِّفُ، والشارِحُ، والنَّاظِمُ، وصاحِبُ الفائقِ، وغيرُهم: يَلْزَمُ الأولُ بالعَقْدِ، وسائِرُها بالتَّلبُّسِ به. [يعني : بدخول الشهر الثاني] .

تنبيه: ظاهرُ قوْلِه: "ولكل واحِدٍ منهما الفَسْخُ عندَ تَقَضِّي كلِّ شَهْر". أنَّ الفَسْخَ يكونُ قبلَ دُخولِ الشهْرِ الثَّاني. وهو اخْتِيارُ أبِي الخَطَّابِ، والمُصَنِّفِ، والشَّارِحِ، والشيخِ تَقِيِّ الدِّينِ...

فعلى هذا، لو أرادَ الفَسْخَ، يقولُ: فسَخْتُ الإجارَةَ في الشَّهْرِ المُسْتَقْبَلِ. ونحوَ ذلك.

والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أن الفَسْخَ لا يكونُ إلَّا بعدَ فَراغِ الشَّهْرِ. اخْتارَه القاضي... وقال المُصَنِّفُ [ابن قدامة] : تَرْكُ التلبّس به فَسْخٌ" انتهى.

وعلى هذا، فما يفعله هذا الشخص المسئول عنه قد يكون جائزا أو ممنوعا، بناء على التفصيل السابق .

فإن كان العقد محدد المدة: فلا يجوز له فسخ العقد قبل تمام المدة، وإن كان غير محدد المدة فله فسخ العقد بعد نهاية الشهر، ولا يلزمه الاستمرار في العمل، وإذا ترك الذهاب إلى العمل بعد نهاية الشهر يكون ذلك فسخا منه للعقد.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب