الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

هل يلزم المرأة أن تعتد من النكاح الفاسد أو الباطل؟

386368

تاريخ النشر : 28-12-2022

المشاهدات : 9504

السؤال

أنا محتارة جدا؛ لأني تزوجت من شخص ثاني وأنا ما زلت في العدة، وقد حضت مرة واحدة، لكن الثاني لم يدخل إلى الآن علي. وأردت أن أتأكد إن كان زواجي صحيح منه أو لا قبل أن أتصرف بفعل أندم عليه لاحقا . وشكرا لكم .

الجواب

الحمد لله.

أولا:

ذكرت في عنوان سؤالك المرسل لنا، أن زواجك السابق كان باطلا أو فاسدا ، فينبغي معرفة الفرق بينهما:

فالنكاح الباطل هو ما أجمع العلماء على عدم صحته ، كنكاح المحارم .

والنكاح الفاسد هو ما اختلف العلماء في صحته، كالنكاح بلا ولي.

ينظر "الشرح الممتع" (12/210).

ثانيا:

لم تبيني في سؤالك هل النكاح كان باطلا أم كان فاسدا ؟ والذي يقع من الناس كثيرا هو الفاسد ، كالنكاح بلا ولي.

كما لم تبيني كيف تمت المفارقة بينك وبين زوجك الأول ؟ فإن كان العقد الأول تم وأنتما تريان أنه نكاح صحيح ، فإنه يلزمكما أحكامه ، ومن أحكامه : أن المطلقة يلزمها العدة ، فإن كانت ممن تحيض فعدتها ثلاث حيضات ، لقول الله تعالى :  وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ البقرة/228.

قال ابن رجب رحمه الله:

"ويترتب عليه [النكاح الفاسد] أكثر أحكام الصحيح ، من وقوع الطلاق ، ولزوم عدة الوفاة بعد الموت ، والاعتداد منه بعد المفارقة في الحياة ، ووجوب المهر فيه بالعقد ، وتقرره بالخلوة ، فلذلك لزم المهر المسمى فيه كالصحيح" انتهى من "القواعد" ص (68).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (32/99):

"ويقع الطلاق في النكاح المختلف فيه إذا اعتقد صحته" انتهى.

وقال أيضا:

"وليس لأحد بعد الطلاق الثلاث أن ينظر في الولي هل كان عدلا أو فاسقا، ليجعل فسق الولي ذريعة إلى عدم وقوع الطلاق، فإن أكثر الفقهاء يصححون ولاية الفاسق، وأكثرهم يوقعون الطلاق في مثل هذا النكاح، بل وفي غيره من الأنكحة الفاسدة ...

وهذا الزوج كان يستحل وطأها قبل الطلاق، ولو ماتت لورثها، فهو عامل على صحة النكاح، فكيف يعمل بعد الطلاق على فساده ؟! فيكون النكاح صحيحا إذا كان له غرض في صحته، فاسدا إذا كان له غرض في فساده . وهذا القول يخالف إجماع المسلمين فإنهم متفقون على أن من اعتقد حل الشيء، كان عليه أن يعتقد ذلك سواء وافق غرضه أو خالفه، ومن اعتقد تحريمه كان عليه أن يعتقد ذلك في الحالين.

وهؤلاء المطلقون لا يفكرون في فساد النكاح بفسق الولي إلا عند الطلاق الثلاث، لا عند الاستمتاع والتوارث، يكونون في وقت يقلدون من يفسده، وفي وقت يقلدون من يصححه؛ بحسب الغرض والهوى، ومثل هذا لا يجوز باتفاق الأمة " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/204).

فإن كنتما عقدتما النكاح وأنتما تريان صحته -وهذا هو الظاهر- ثم افترقتما بطلاق ، فعليك العدة كاملة ، ثلاث حيضات ، ولا يجوز الاكتفاء بحيضة واحدة.

ثالثا :

أما إن كنتما تريان تحريم النكاح، فهذا زنا والعياذ بالله، يلزمكما منه التوبة، أو كنتما جاهلين بالحكم، ثم تبين لكما التحريم: فتمت المفارقة بسبب هذا، فهنا اختلف العلماء في وجوب العدة، فمذهب الشافعية والحنفية، أنه لا عدة عليها، ومذهب المالكية وبعض الحنابلة أن عليها العدة، وعدتها كعدة المطلقة.

واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن عليها الاستبراء بحيضة واحدة ، وهو ما رجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله . ينظر "الشرح الممتع" (3/382).

وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم:(200034).

وفي هذه الحالة إذا تم العقد عليها قبل انتهاء العدة، فهو عقد غير صحيح.

جاء في "جواهر الإكليل" (1/386):

"ولا يعقد أحد نكاحه عليها زمن استبرائها" انتهى.

وجاء في "الموسوعة الفقهية" (29/346):

"اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلأْجْنَبِيِّ نِكَاحُ الْمُعْتَدَّةِ، أَيًّا كَانَتْ عِدَّتُهَا، مِنْ طَلاَقٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ فَسْخٍ أَوْ شُبْهَةٍ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الطَّلاَقُ رَجْعِيًّا أَمْ بَائِنًا بَيْنُونَةً صُغْرَى أَوْ كُبْرَى؛ وَذَلِكَ لِحِفْظِ الأْنْسَابِ وَصَوْنِهَا مِنَ الاِخْتِلاَطِ، وَمُرَاعَاةً لِحَقِّ الزَّوْجِ الأْوَّل.

فَإِنْ عَقَدَ النِّكَاحَ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ فِي عِدَّتِهَا، فُرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَنْ عَقَدَ عَلَيْهَا.

وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلاَ تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ، وَالْمُرَادُ تَمَامُ الْعِدَّةِ ، وَالْمَعْنَى : لاَ تَعْزِمُوا عَلَى عُقْدَةِ النِّكَاحِ فِي زَمَانِ الْعِدَّةِ ، أَوْ لاَ تَعْقِدُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَنْقَضِيَ مَا كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا مِنَ الْعِدَّةِ" انتهى.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب