الخميس 23 ربيع الأوّل 1446 - 26 سبتمبر 2024
العربية

شبهة حول هجرة أبي بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم!

387817

تاريخ النشر : 18-09-2024

المشاهدات : 635

السؤال

شاهدت مقطعا لرجل يذكر حادثة خروج النبي صلى الله عليه وسلم على المشركين وفي يده حفنة من تراب، فرماها عليهم، وأخذ الله تعالى على أبصارهم عنه فلا يرونه.
في هذه الحادثة هناك شخص مجهول: (فأتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال: ما تنتظرون هاهنا؟ قالوا: محمد،
قال: خيبكم الله، قد والله خرج عليكم محمد، ثم ما ترك منكم رجلا إلا وقد وضع على رأسه ترابا، وانطلق لحاجته، أفما ترون ما بكم؟”.
ثم جاء بنص آخر ليحاول ربط الاحداث ببعضها البعض، وإثبات أن الشخص المجهول هو: أبو بكر.
“فجاء أبو بكر وعلي نائم، قال: وأبو بكر يحسب أنه نبي الله، قال: فقال يانبي الله، قال: فقال له علي: إن نبي الله قد انطلق نحو بئر ميمون فادركه، قال: فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار”.
ويقول: ثم إن رسول الله كان بخطر شديد، والمشركون يريدون قتله، فكيف يأتي لأبي بكر ظهراً؟
أتمنى توضيح ذلك.

الجواب

الحمد لله.

أولا:

الخبر الأول رواه ابن إسحاق كما في “سيرة ابن هشام” (2 / 127)، وغيره:

” قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بن زياد، عن محمد بن كعب القُرظي، قَالَ: ( لَمَّا اجْتَمَعُوا لَهُ، وَفِيهِمْ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، فَقَالَ وَهُمْ عَلَى بَابِهِ: إنَّ مُحَمَّدًا يزعُم أَنَّكُمْ إنْ تَابَعْتُمُوهُ عَلَى أَمْرِهِ، كُنْتُمْ مُلُوكَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، ثُمَّ بُعثتم مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ، فجُعلت لَكُمْ جِنان كَجِنَانِ الْأُرْدُنِّ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ لَهُ فِيكُمْ ذَبْح، ثُمَّ بُعثتم مِنْ بعدِ مَوْتِكُمْ، ثُمَّ جُعلت لَكُمْ نَارٌ تُحرقون فِيهَا.

قَالَ: وَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ تُراب فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَنَا أَقُولُ ذَلِكَ، أنتَ أحدُهم. وَأَخَذَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أبصارِهم عَنْهُ، فَلَا يَرَوْنَه، فَجَعَلَ يَنثرُ ذَلِكَ الترابَ عَلَى رءوسِهم وَهُوَ يَتْلُو هؤلاءِ الْآيَاتِ مِنْ يس: ( يس ، وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ، إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ، عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ، تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ) إلَى قَوْلِهِ: ( فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ).

حَتَّى فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ رجل إلا قد وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا، ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى حَيْثُ أَرَادَ أَنْ يذهبَ!!

فَأَتَاهُمْ آتٍ مِمَّنْ لم يكن معهم، فقال: ما تنتظرون ههنا؟ قَالُوا: مُحَمَّدًا: قَالَ: خَيَّبَكُمْ اللَّهُ! قَدْ وَاَللَّهِ خَرَجَ عَلَيْكُمْ مُحَمَّدٌ، ثُمَّ مَا تَرَكَ مِنْكُمْ رَجُلًا إلَّا وَقَدْ وَضَعَ عَلَى رأسِهِ تُرَابًا، وَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، أَفَمَا تَرَوْنَ مَا بِكُمْ؟

قَالَ: فَوَضَعَ كلُّ رجلٍ مِنْهُمْ يدَه عَلَى رأسِه، فَإِذَا عَلَيْهِ ترابٌ، ثُمَّ جَعَلُوا يتطلَّعون فَيَروْن عَلِيًّا عَلَى الْفِرَاشِ مُتَسَجِّيًا بِبُرْد رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَيَقُولُونَ: وَاَللَّهِ إنَّ هذا لمحمد نائم عَلَيْهِ بُرْدُه.

فَلَمْ يَبْرَحُوا كَذَلِكَ حَتَّى أَصْبَحُوا، فَقَامَ عَلِيٌّ رضي الله عنه عَنْ الْفِرَاشِ فَقَالُوا: وَاَللَّهِ لَقَدْ كَانَ صدَّقنا الَّذِي حَدَّثَنَا ) ” انتهى.

وهذا الخبر إسناده منقطع مرسل، ويزيد بن زياد مع ما ورد فيه من توثيق إلا أنّ فيه كلاما.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

” يزيد بن زياد.

عن محمد بن كعب، عن معاوية.

وعنه مالك وابن إسحاق.

وثقه النسائي.

قال البخاري: لا يتابع على حديثه ” انتهى. “ميزان الاعتدال” (5 / 155).

وروى ابن سعد نحوه في “الطبقات” (1/227)، من طريق الواقدي، حيث قال ابن سعد رحمه الله تعالى:

” أخبرنا محمّد بن عمر، قال: حدّثني مَعْمر، عن الزهريّ، عن عُروة، عن عائشة، قال: وحدّثني ابن أبى حبيبة، عن داود بن الحُصين بن أبي غطفان، عن ابن عبّاس، قال: وحدّثني قُدامة بن موسى، عن عائشة بنت قدامة، قال: وحدّثني عبد الله بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبى طالب، عن أبيه، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن عليّ، قال: وحدّثني مَعْمَر، عن الزهريّ، عن عبد الرحمن بن مالك بن جعشم، عن سُراقة بن جعشم، دخل حديث بعضهم في حديث بعض، قالوا: ( لما رأى المشركون أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قد حملوا الذَّرَاري والأطفال إلى الأوس والخزرج عرفوا أنّها دار مَنَعة وقوم أهل حَلْقة وبأس، فخافوا خروج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فاجتمعوا في دار النَّدوة، ولم يتخلَّف أحد من أهل الرأي والحِجَى منهم ليتشاوروا في أمره …

وجاء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى أبي بكر فقال: إنّ اللهَ، عز وجل، قَدْ أذِنَ ليَ في الخُرُوجِ، فقال أبو بكر: الصحْبَة يا رسول الله؟ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ، قال أبو بكر: فخُذْ بأبي أنت وأمي إحدى رَاحِلَتَيّ هاتين، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: بالثّمَنِ، وكان أبو بكر اشتراهما بثمانمائة درهم من نَعَم بني قُشير، فأخذ إحداهما وهي القَصْواء، وأمرَ عليًا أن يبيت في مضجعه تلك الليلة، فبات فيه عليّ وَتَغَشَّى بُرْدًا أحمر حضْرميًا كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ينام فيه.

واجتمع أولئك النَّفَر من قريش يتطّلعون من صِير الباب ويرصدونه يريدون ثيابه ويأتمرون أيّهم يحمل على المضطجع صاحب الفراش، فخرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عليهم وهم جلوس على الباب، فأخذ حَفنة من البطحاء فجعلَ يذرّها على رءوسهم ويتلو: ( يس ، وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ )، حتى بلغ: ( وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ )، ومضى رسول الله، صلى الله عليه وسلم. فقال قائل لهم: ما تنتظرون؟ قالوا: محمّدًا: قال: خبتم وخسرتم، قد والله مرّ بكم وذرّ على رءوسكم التراب، قالوا: والله ما أبصرناه! وقاموا ينفضون التراب عن رءوسهم، وهم: أبو جهل، والحكم بن أبي العاص، وعقبة بن أبي مُعَيط، والنضر بن الحارث، وأميّة بن خلف، وابن الغيطلة، وزمعة بن الأسود، وطعيمة بن عديّ، وأبو لهب، وأُبيّ بن خلف، ونُبيه ومنبه ابنا الحجّاج، فلمّا أصبحوا قام عليّ عن الفراش فسألوه عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: لا علم لي به.

وصار رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى منزل أبي بكر، فكان فيه إلى الليل، ثمّ خرج هو وأبو بكر فمضيا إلى غار ثور فدخلاه، وضربت العنكبوت على بابه بعشاش بعضها على بعض، وطلبت قريش رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أشدّ الطلب حتى انتهوا إلى باب الغار، فقال بعضهم: إن عليه العنكبوت قبل ميلاد محمّد، فانصرفوا ) ” انتهى.

وهذا إسناد ضعيف لكون الواقدي متروك الحديث.

قال النووي رحمه الله تعالى:

” الواقدي رحمه الله ضعيف عند أهل الحديث وغيرهم لا يحتج برواياته المتصلة ” انتهى. “المجموع” (1/114).

وقال الذهبي رحمه الله تعالى:

” محمد بن عمر بن واقد الأسلمي، مولاهم، الواقدي، صاحب التصانيف، مجمع على تركه ” انتهى. “المغني” (2/619).

وقال محققو المسند: ” وقصة نوم علي رضي الله عنه في فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم رويت في كتب السير وغيرها، وليس فيها إسناد قائم ” انتهى. “مسند الإمام أحمد” حاشية الصفحة (5/185).

والذي يظهر أنه لا بأس بذكر هذه القصة وروايتها في هذا الباب: المغازي والسير، فهي مشهورة معروفة عند عامة المصنفين في الباب. وباب المغازي: مما يسهل أهل العلم في أسانيده؛ خاصة وأنه ليس فيها ما يستنكر، ولا تفردت بشيء غريب في اعتقاد، ولا شاذ في حكم.

ثانيا:

وأما الخبر الثاني: فرواه الإمام أحمد في “المسند” (5 / 178)، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَلْجٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، قَالَ: إِنِّي لَجَالِسٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، إِذْ أتَاهُ تِسْعَةُ رَهْطٍ، فَقَالُوا: يَا أَبَا عَبَّاسٍ، إِمَّا أَنْ تَقُومَ مَعَنَا، وَإِمَّا أَنْ تُخْلُونَا يَا هَؤُلَاءِ. قَالَ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَلْ أقُومُ مَعَكُمْ. قَالَ: وَهُوَ يَوْمَئِذٍ صَحِيحٌ قَبْلَ أَنْ يَعْمَى، قَالَ: فَابْتَدَؤُوا فَتَحَدَّثُوا، فَلَا نَدْرِي مَا قَالُوا، قَالَ: فَجَاءَ يَنْفُضُ ثَوْبَهُ، وَيَقُولُ: أُفْ وَتُفْ، وَقَعُوا فِي رَجُلٍ لَهُ عَشْرٌ: ( … وَشَرَى عَلِيٌّ نَفْسَهُ؛ لَبِسَ ثَوْبَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ نَامَ مَكَانَهُ، قَالَ: وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَرْمُونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ، وَعَلِيٌّ نَائِمٌ، قَالَ: وَأَبُو بَكْرٍ يَحْسَبُ أَنَّهُ نَبِيُّ اللهِ، قَالَ: فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إِنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدِ انْطَلَقَ نَحْوَ بِئْرِ مَيْمُونٍ، فَأَدْرِكْهُ. قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ، فَدَخَلَ مَعَهُ الْغَارَ، قَالَ: وَجَعَلَ عَلِيٌّ يُرْمَى بِالْحِجَارَةِ كَمَا كَانَ يُرْمَى نَبِيُّ اللهِ، وَهُوَ يَتَضَوَّرُ، قَدْ لَفَّ رَأْسَهُ فِي الثَّوْبِ لَا يُخْرِجُهُ حَتَّى أَصْبَحَ، ثُمَّ كَشَفَ عَنْ رَأْسِهِ، فَقَالُوا: إِنَّكَ لَلَئِيمٌ، كَانَ صَاحِبُكَ نَرْمِيهِ فَلا يَتَضَوَّرُ، وَأَنْتَ تَتَضَوَّرُ، وَقَدِ اسْتَنْكَرْنَا ذَلِكَ… ).

ومن طريق الإمام أحمد رواه الحاكم في “المستدرك” (3 / 132 – 134)، وقال: “هذا حديث صحيح الإسناد ” وكذا قال الذهبي.

لكن أبا بلج متكلم فيه.

قال الهيثمي رحمه الله تعالى:

” ورجال أحمد رجال الصحيح غير أبي بلج الفزاري وهو ثقة فيه لين ” انتهى. “مجمع الزوائد” (9 / 120).

وقد تفرد بهذا الخبر وقد رأى أئمة الحديث في خبره هذا بعض النكارة.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

” يحيى بن سليم، أو ابن أبي سليم.

أبو بلج الفزاري الواسطي …

وثقه ابن معين، وغيره، ومحمد بن سعد، والنسائي، والدارقطني.

وقال أبو حاتم: صالح الحديث، لا بأس به…

وقال البخاري: فيه نظر.

وقال أحمد: روى حديثا منكرا.

وقال ابن حبان: كان يخطئ.

وقال الجوزجاني: غير ثقة…

ومن مناكيره: عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بسد الابواب إلا باب على رضي الله عنه ) ” انتهى. “ميزان الاعتدال” (5 / 123).

فالحاصل؛ أن هذا الخبر مما انفرد به أبو بلج وربما روى ما هو خطأ ومنكر، وقد خالفه ما هو أصح كما سيأتي.

وينظر للفائدة: “حاشية المسند” ط الرسالة (5/181-188).

ثالثا:

ادعاء أن الرجل المجهول الذي أخبر قريشا بخروج النبي صلى الله عليهم وسلم هو أبو بكر رضي الله عنه: كذب وإفك مبين، وهو باللعب والعبث، أو فرية العامد الباهت؛ أشبه منه بكلام العقلاء، ونظر الفاهمين!! بل هو مضاد للمعقول السليمة؛ فالصورة التي رسمتها هذه الروايات، هو أن هذا البيت الذي كان نائما فيه علي رضي الله عنه: عبارة عن حجرة لا تستر صوتا؛ بل في الخبر أنهم كانوا ينظرون إليه من فُرَج في الباب، وأنهم كانوا يرمونه بالحجارة، وأن عليا رضي الله عنه لم يكن نائما، فإذا كان هذا هو الحال، فإن زعموا أن أبا بكر هو من أخبرهم، فكيف غاب ذلك عن علي رضي الله عنه وهو قريب منهم يسمع حسهم، وكيف له أن يستأمنه ويخبره بطريق النبي صلى الله عليه وسلم حتى يدركه؟!

ثمّ لماذا لم يخبر أبو بكر رضي الله عنه قريشا بعد أن أعلمه علي رضي الله عنه بوجهته صلى الله عليه وسلم إلى بئر ميمون؟!

بل إنما خرج صدِّيقُ الأمة، حتى كان مع النبي صلى الله عليه وسلم، وصارت له هذه المنقبة العظيمة: ( ثانيَ اثنين ) في هذا الغار، كما شرفه به القرآن، حتى شرقت له حلوق شانئيه من الروافض، ومن شايعهم!!

رابعا:

ثم مع ما في هذه الأخبار من ضعف في أسانيدها، لا يمكن أن يعارَض بها ما صح لأبي بكر من شرف صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم في هجرته، وأنه كان معه من بداية الهجرة، وأنه كان مطلوبا لقريش، كحال النبي صلى الله عليه وسلم.

كما عند البخاري (3906) عن ابْن شِهابٍ: قالَ عُرْوَةُ: قالَتْ عائِشَةُ: ( فَبَيْنَما نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، قالَ قائِلٌ لأَبِي بَكْرٍ: هَذا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَقَنِّعًا. فِي ساعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينا فِيها، فقالَ أَبُو بَكْرٍ: فِداءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي، واللَّهِ ما جاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ. قالَتْ: فَجاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فاسْتَأذَنَ، فَأُذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأَبِي بَكْرٍ: أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ. فقالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّما هُمْ أَهْلُكَ، بِأَبِي أَنْتَ يا رَسُولَ اللَّهِ. قالَ: فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ. فقالَ أَبُو بَكْرٍ: الصَّحابَةَُ بِأَبِي أَنْتَ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ. قالَ أَبُو بَكْرٍ: فَخُذْ -بِأَبِي أَنْتَ يا رَسُولَ اللَّهِ- إِحْدَى راحِلَتَيَّ هاتَيْنِ. قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: بِالثَّمَنِ. قالَتْ عائِشَةُ: فَجَهَّزناهُما أَحَثَّ الْجَهازِ، وَصَنَعْنا لَهُما سُفْرَةً فِي جِرابٍ، فَقَطَعَتْ أَسْماءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطاقِها، فَرَبَطَتْ بِهِ على فَمِ الْجِرابِ، فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذاتَ النِّطاقِ. قالَتْ: ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ بِغارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ، فَكَمَنَا فِيهِ ثَلَاثَ لَيالٍ …

قالَ ابْنُ شِهابٍ: وَأخبَرَني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ، وهو ابْنُ أَخِي سُراقَةَ بْنِ مالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ: أَنَّ أَباهُ أَخْبَرَهُ:

أَنَّهُ سَمِعَ سُراقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ يَقُولُ: جاءَنا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ دِيَةً، كُلِّ واحِدٍ مِنْهُما، مَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ … ).

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

” وقد حكى ابن جرير عن بعضهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبق الصديق في الذهاب إلى غار ثور، وأمر عليا أن يدله على مسيره ليلحقه، فلحقه في أثناء الطريق. وهذا غريب جدا، وخلاف المشهور من أنهما خرجا معا ” انتهى. “البداية والنهاية” (3 / 442).

وخروج النبي صلى الله عليه وسلم وسط النهار إلى بيت أبي بكر لا يُستشكل، فلم يرد أن قريشا كانت تحرس بيته صلى الله عليه وسلم طوال اليوم، وإنما غاية ما ورد أنهم حاصروا بيته ليلة من الليالي، ولم يرد أنهم حاصروا بيته نهارا، وخروجه صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي بكر وقت الظهيرة مناسب جدا؛ لأنه وقت حر لا يكاد يمشي فيه إنسان، بل غالب أهل مكة في بيوتهم.

ثم من صحح خروج النبي صلى الله عليه وسلم من داره ليلا وقريش تحاصره، كيف له أن يستنكر خروجه في وسط النهار والبيت لا يحاصره أحد ؟!

الخلاصة:

ما قاله هذا المبتدع من اتهام لأبي بكر رضي الله عنه، هو محض عبث وافتراء، وكذب محض؛ لا سند له لا من نقل ولا عقل.

ومما ينبغي أن يحرص عليه المسلم: أن يكف نفسه عن الاستماع لأهل البدع؛ فإنهم لم ينفردوا بعلم نافع، وكلامهم باب عظيم للشبهات المهلكة، والعاقل لا يرمي نفسه في المهالك بلا مصلحة راجحة.

قال البغوي رحمه الله تعالى:

” قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن افتراق هذه الأمة، وظهور الأهواء والبدع فيهم، وحكم بالنجاة لمن اتبع سنته ، وسنة أصحابه رضي الله عنهم، فعلى المرء المسلم إذا رأى رجلا يتعاطى شيئا من الأهواء والبدع معتقدا، أو يتهاون بشيء من السنن: أن يهجره، ويتبرأ منه ، ويتركه حيا وميتا …

وقد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم وعلماء السنة على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدعة، ومهاجرتهم ” انتهى . “شرح السنة” (1 / 224 – 227).

وقال ابن مفلح رحمه الله تعالى:

” وذكر الشيخ موفق الدين رحمه الله في المنع من النظر في كتب المبتدعة، قال: كان السلف ينهون عن مجالسة أهل البدع، والنظر في كتبهم والاستماع لكلامهم ” انتهى. “الآداب الشرعية” (1 / 251).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب