الحمد لله.
أولا:
من ترك صوم أيام من رمضان فإنه مأمور بقضائها قبل أن يحل عليه رمضان آخر. وقد سبق بيان ذلك في في جواب السؤال رقم: (26865).
ثانيا:
مرض الوسواس له درجات متفاوتة في الشدة والتأثير على المريض، ولذا فتأخير صاحب الوسواس لقضاء الصوم حتى يدخل رمضان التالي، هذا له حالان:
الحالة الأولى:
أن يكون هذا الوسواس بلغ بالمريض درجة يشق عليه أن يصوم معها؛ كأن يكون في حاجة ماسة إلى تناول الأدوية في النهار، أو تتناوبه الوساوس الممرضة بسبب الصوم، وهو عاجز عن دفعها إلا بتأخير الصوم.
فمثل هذا المريض يشرع له تأخير القضاء؛ لأن الشرع جاء برفع المشقة والحرج.
قال الله تعالى:(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/286.
وقال الله تعالى في آية الصوم:(وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/185.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
"أي: يريد الله تعالى أن ييسر عليكم الطرق الموصلة إلى رضوانه أعظم تيسير، ويسهلها أشد تسهيل، ولهذا كان جميع ما أمر الله به عباده في غاية السهولة في أصله.
وإذا حصلت بعض العوارض الموجبة لثقله سهَّله تسهيلا آخر، إما بإسقاطه، أو تخفيفه بأنواع التخفيفات.
وهذه جملة لا يمكن تفصيلها ، لأن تفاصيلها جميع الشرعيات ، ويدخل فيها جميع الرخص والتخفيفات" انتهى من"تفسير السعدي"( ص86–87).
ومن مثل هذه النصوص استخلص أهل العلم قاعدة: "المشقة تجلب التيسير".
والمقصود بالمشقة هنا: هي المشقة الزائدة على الحد المعتاد، والتي ترهق العبد، وتضره.
عَنْ أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، قالَ: (لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ) رواه الحاكم (2/ 57-58)، ورواه ابن ماجه (2340) من حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنْ: (لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ).
قال الشاطبي رحمه الله تعالى:
"إن كانت – المشقة غير المعتادة - تابعة للعمل كالمريض غير القادر على الصوم أو الصلاة قائما، والحاج لا يقدر على الحج ماشيا أو راكبا، إلا بمشقة خارجة عن المعتاد في مثل العمل، فهذا هو الذي جاء فيه قوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)، وجاء فيه مشروعية الرخص..." انتهى من"الموافقات"(2/230).
الحالة الثانية:
أن يكون هذا الوسواس لا يزيد في مشقة الصوم على الحد المعتاد الذي يشعر به كل صائم؛ ولا يتضرر به، ففي هذه الحال هذه الدرجة من المرض لا تجلب رخصة تأخير القضاء.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" المشقة قد عُلِّق بها من التخفيف ما يناسبها، فإن كانت مشقة مرض وألم يضر به، جاز معها الفطر والصلاة قاعدا أو على جنب، وذلك نظير قصر العدد، وإن كانت مشقة تعب، فمصالح الدنيا والآخرة منوطة بالتعب، ولا راحة لمن لا تعب له، بل على قدر التعب تكون الراحة " انتهى من "إعلام الموقعين" (3/360).
وعلى ذلك؛ فعلى المريضة أن تنظر في هذا الأمر بينها وبين الله تعالى؛ فإن كان مرضها من الحالة الأولى، فلا حرج عليها في هذا التأخير.
وإن كان مرضها من الحالة الثانية، حيث لم يوجد سبب الرخصة لتأخير القضاء، فعليها أن تبادر إلى القضاء الآن، وتتوب إلى الله تعالى بالندم والعزم على عدم العودة إلى مثل هذا.
وهل يلزمها، مع القضاء، كفارة عن التأخير؟ سبق بيان خلاف العلماء في ذلك، في جواب السؤال رقم:(26865).
والله أعلم.
تعليق