الحمد لله.
النصوص التي تأمر المرأة بالحجاب ومجانبة الرجال الأجانب عنها؛ هي نصوص تتناول جميع النساء، ولا تخص الجميلة دون غيرها، كحديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ: سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: (لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) رواه البخاري(5233)، ومسلم (1341).
ونصوص الشرع تشير إلى أن العلة والحكمة من هذه الأحكام ليست وجود الشهوة، بل خوف الفتنة.
كحديث أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ ) رواه البخاري(5096)، ومسلم(2740).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
"الراجح في مذهب الشافعي وأحمد: أن النظر إلى وجه الأجنبية من غير حاجة لا يجوز، وإن كانت الشهوة منتفية؛ لكن لأنه يُخاف ثورانها؛ ولهذا حرمت الخلوة بالأجنبية لأنها مظنة الفتنة، والأصل أن كل ما كان سببا للفتنة، فإنه لا يجوز؛ فإن الذريعة إلى الفساد يجب سدها إذا لم يعارضها مصلحة راجحة؛ ولهذا كان النظر الذي يفضي إلى الفتنة محرما، إلا إذا كان لمصلحة راجحة مثل نظر الخاطب والطبيب وغيرهما؛ فإنه يباح النظر للحاجة لكن مع عدم الشهوة.
وأما النظر لغير حاجة إلى محل الفتنة فلا يجوز.
ومن كرر النظر إلى الأمرد ونحوه أو أدامه وقال: إني لا أنظر لشهوة: كذب في ذلك؛ فإنه إذا لم يكن معه داع يحتاج معه إلى النظر لم يكن النظر إلا لما يحصل في القلب من اللذة بذلك" انتهى من "مجموع الفتاوى"(21/251).
فإذا تبيّن هذا؛ فإن مصاحبة المرأة عديمة الجمال وممازحتها؛ تتناولها النصوص الناهية؛ لأنها امرأة يخاف منها الفتنة، ولا يؤمن غائلة الفساد في صحبتها؛ ولكل ساقطة في الحي لاقطة، كما قالوا. ولما تقرر ذلك، وأن صحبة المرأة الأجنبية، والدخول عليها: فتنة، على كل حال، أطلق الفقهاء المنع من ذلك كله، ولم يستثنوا قبيحة، ولا صغيرة، ولا غير ذلك؛ لما كانت المرأة مظنة للفتنة بها، وعليها، هكذا على وجه العموم؛ تنزيلا لمظنة الفتنة، منزلة ما يُتحقَّق منه الفتنة.
وقد قرر الفقهاء أنه: " يكره مضغ العلك، الذي لا يتحلل منه أجزاء، فلا يصل منه شيء إلى الجوف.
ووجه الكراهة: اتهامه بالفطر، سواء أكان رجلا أم امرأة، قال علي رضي الله تعالى عنه : إياك وما يسبق إلى العقول إنكاره ، وإن كان عندك اعتذاره" انتهى من "الموسوعة الفقهية الكويتية" (28/69).
ثم إن هذه المرأة مخاطبة بتوقي الفتن ومواقع الشبهة والشهوة، كالرجل، ويخشى عليها الفتنة، كما يخشى على الرجل.
قال النووي رحمه الله تعالى:
"الصحيح الذي عليه جمهور العلماء وأكثر الصحابة: أنه يحرم على المرأة النظر إلى الأجنبي، كما يحرم عليه النظر إليها؛ لقوله تعالى: ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ )، و ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ )؛ ولأن الفتنة مشتركة، وكما يخاف الافتتان بها، تخاف الافتتان به" انتهى من"شرح صحيح مسلم" (10/96).
والحاصل:
أنه لا يجوز للرجل والمرأة الأجنبيين أن يتصاحبا؛ لما فيه من المنكر، والإعانة عليه، وفتح باب الفتنة والفساد والله تعالى يقول:
(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
كما أن القول بالجواز يسقط النهي عن هذه المنكرات أصلا؛ ويشرع باب الفساد؛ لأن كثيرا ممن يرخص لنفسه مصاحبة الفتيات يزعم أنه يفعل ذلك ليس بداعي الشهوة.
والله أعلم.
تعليق