الحمد لله.
إذا خلا الزوج بزوجته قبل الدخول، خلوة صحيحة، بحيث لا يحضرهما مميز، فإن هذه الخلوة لها حكم الدخول، حتى ولو لم يبلغ الأمر إلى فض بكارتها.
ويترتب عليها أمور:
الأول: أنه لو طلقها لزمه المهر كاملا، على ما قضى به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أنه لو طلقها، كان عليها العدة؛ لقضاء الصحابة، وعليه الجمهور.
الثالث: أن الطلاق بعد الخلوة يكون رجعيا في مذهب الإمام أحمد، فلو طلقها له أن يراجعها في العدة، ولا يحتاج إلى عقد جديد. وأما الجمهور فيرون أنه طلاق بائن.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/191): " وجملة ذلك: أن الرجل إذا خلا بامرأته بعد العقد الصحيح، استقر عليه مهرها، ووجبت عليها العدة، وإن لم يطأ، روي ذلك عن الخلفاء الراشدين، وزيد، وابن عمر، وبه قال علي بن الحسين وعروة، وعطاء، والزهري، والأوزاعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي، وهو قديم قولي الشافعي .
وقال شريح، والشعبي، وطاوس، وابن سيرين، والشافعي في الجديد: لا يستقر إلا بالوطء، وحكي ذلك عن ابن مسعود، وابن عباس ...
ولنا: إجماع الصحابة رضي الله عنهم، روى الإمام أحمد، والأثرم، بإسنادهما، عن زرارة بن أوفى، قال : قضى الخلفاء الراشدون المهديون، أن من أغلق بابا، أو أرخى سترا، فقد وجب المهر، ووجبت العدة، ورواه الأثرم أيضا، عن الأحنف، عن عمر وعلي وعن سعيد بن المسيب ، وعن زيد بن ثابت: عليها العدة، ولها الصداق كاملا، وهذه قضايا تشتهر، ولم يخالفهم أحد في عصرهم، فكان إجماعا، وما رووه عن ابن عباس، لا يصح " انتهى .
وقال في (7/ 529): " والخلوة كالإصابة، في إثبات الرجعة للزوج على المرأة التي خلا بها، في ظاهر قول الخرقي؛ لقوله: حكمها حكم الدخول في جميع أمورها. وهذا قول الشافعي في القديم.
وقال أبو بكر: لا رجعة له عليها إلا أن يصيبها. وبه قال أبو حنيفة وصاحباه والشافعي في الجديد؛ لأنها غير مصابة، فلا تستحق رجعتها، كغير التي خلا بها.
ولنا: قوله تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن)البقرة/228 إلى قوله: (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك)البقرة/228.
ولأنها معتدة من طلاق لا عوض فيه، ولم تستوف عدده، فثبت عليها الرجعة كالمصابة، ولأنها معتدة يلحقها طلاقه، فملك رجعتها، كالتي أصابها. وفارق التي لم يخل بها، فإنها بائن منه لا عدة لها، ولا يلحقها طلاقه، وإنما تكون الرجعة للمعتدة التي يلحقها طلاقه" انتهى.
وانظر في شروط الخلوة الصحيحة جواب السؤال رقم:(268304).
وإذا احتاج إلى الرجعة، وخشي افتضاح ما حصل، وشناعة الأمر على الناس، إذا راجعها بغير عقد؛ فله أن يعقد عليها عقدا جديدا، ولا حرج في ذلك، وهو قول جمهور العلماء. وحتى إن لم يكن قول الجمهور، فالعقد الجديد لا يهدم شيئا ثابتا، وإنما هو تأكيد له، أو هو تصرف صوري، للستر، ولدفع القالة عنهم.
والله أعلم.
تعليق