الحمد لله.
أولا:
يجب على الزوج أن ينفق على زوجته قدر كفايتها بالمعروف، بلا إسراف ولا تقتير.
ينظر السؤال رقم: (3054).
فإذا كان زوجك ينفق عليك بقدر الكفاية بالمعروف، فليزمك البقاء معه، ولا يجوز لك طلب الطلاق ولا الفسخ.
وإما إن كانت نفقته أقل من ذلك، فلك الحق في طلب مفارقته عند جمهور العلماء –وهو الصحيح-، دفعا للضرر الواقع عليك.
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
"إذَا مَنَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ النَّفَقَةَ، لِعُسْرَتِهِ، وَعَدَمِ مَا يُنْفِقُهُ، فَالْمَرْأَةُ مُخَيَّرَةٌ بَيْنَ الصَّبْرِ عَلَيْهِ، وَبَيْنَ فِرَاقِهِ . وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ.
وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ، وَعُمَرُ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَرَبِيعَةُ، وَحَمَّادٌ، وَمَالِكٌ، وَيَحْيَى الْقَطَّانُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ...
لقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)؛ وَلَيْسَ الْإِمْسَاكُ مَعَ تَرْكِ الْإِنْفَاقِ إمْسَاكًا بِمَعْرُوفٍ، فَيَتَعَيَّنُ التَّسْرِيحُ.
وَرَوَى سَعِيدٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، قَالَ: سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ، أَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: سُنَّةٌ؟ قَالَ: سُنَّةٌ.
وَهَذَا يَنْصَرِفُ إلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ، فِي رِجَالٍ غَابُوا عَنْ نِسَائِهِمْ، فَأَمَرَهُمْ بِأَنْ يُنْفِقُوا أَوْ يُطَلِّقُوا، فَإِنْ طَلَّقُوا بَعَثُوا بِنَفَقَةِ مَا مَضَى" انتهى من "المغني"(11/361).
ثانيا:
أما نفقة الأولاد فلستِ مسئولة عنها، ولا يجوز لك أن تطلبي الطلاق بسبب تضييق الأب عليهم، لأن نفقة الأب على أولاده إنما تجب عليه بحسب استطاعته، ولا يكلف أكثر مما يطيق، بخلاف نفقته الرجل على زوجته، فالواجب عليه أن ينفق عليها، فإن عجز أو امتنع، ثبت لها طلب المفارقة كما سبق.
ذكر ابن قدامة رحمه الله شروط الإنفاق على الأقارب فقال:
"وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْإِنْفَاقِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا ، أَنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ، لَا مَالَ لَهُمْ، وَلَا كَسْبَ يَسْتَغْنُونَ بِهِ عَنْ إنْفَاقِ غَيْرِهِمْ، فَإِنْ كَانُوا مُوسِرِينَ بِمَالٍ أَوْ كَسْبٍ يَسْتَغْنُونَ بِهِ، فَلَا نَفَقَةَ لَهُمْ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ، وَالْمُوسِرُ مُسْتَغْنٍ عَنْ الْمُوَاسَاةِ.
الثَّانِي، أَنْ يَكُونَ لِمَنْ تَجِبْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ، فَاضِلًا عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ، إمَّا مِنْ مَالِهِ، وَإِمَّا مِنْ كَسْبِهِ.
فَأَمَّا مَنْ لَا يَفْضُلُ عَنْهُ شَيْءٌ ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ ؛ لِمَا رَوَى جَابِرٌ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فَقِيرًا ، فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ فَضَلَ، فَعَلَى عِيَالِهِ، فَإِنْ كَانَ فَضْلٌ، فَعَلَى قَرَابَتِهِ)، وَفِي لَفْظٍ: (ابْدَأْ بِنَفْسِك، ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ) حَدِيثٌ صَحِيحٌ .
الثَّالِثُ، أَنْ يَكُونَ الْمُنْفِقُ وَارِثًا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ)" انتهى من "المغني" (11/374).
ثالثا:
الذي ننصحك به هو التمهل في اتخاذ القرار، والاستشارة والاستخارة، ونحن نختار لك الصبر على البقاء مع زوجك وأولادك في بيت واحد، فإن ذلك خير من تشتيت الأسرة، مما سيؤثر –بلا شك- على الأولاد فيما بعد.
وإذا كنت تفعلين ذلك من أجل التوسعة على الأولاد، فإنك ستوقعين بهم ضررا من جهة أخرى، وهي أنهم فقدوا وجودهم مع أبيهم في بيت واحد.
والمال وإن كان ضروريا للحياة، ولكنه ليس كل شيء، فبقاء الأطفال في بيت واحد مع أبيهم وأمهم، خير لهم من الذهاب بعيدا عن الأب.
كما أن بقاءك مع زوج –مع ضيق الحال- قد يكون خيرا لك من الانفراد بأولادك مع سعة المال ، فمصاعب الحياة كثيرة، تحتاج المرأة فيها أن يكون معها زوجها يتحملها معها، ويعينها عليها، ومن الصعب أن تستغني المرأة عن زوجها بمالها.
فتريثي واصبري حتى يأتي الله تعالى بالفرج، (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) الطلاق/7.
نسأل الله تعالى أن ييسر لك أمرك، ويوسع عليكم رزقه.
والله أعلم .
تعليق