الجمعة 19 جمادى الآخرة 1446 - 20 ديسمبر 2024
العربية

هل يكفر من استحل مصافحة النساء الأجنبيات؟

390082

تاريخ النشر : 22-12-2022

المشاهدات : 4125

السؤال

هل من استحل مصافحة النساء يكفر؟ أنا أريد أن أقر بذلك بقلبي، أي تحريم المصافحة، لكن تستمر آراء من أباح ذلك في تشكيكي، فقد أقتنعت بحديثهم سابقا، إضافة إلى وساوس الرياء، فأنا عندما أقول حسنا سأتبع من يحرم المصافحة تأتيني وساوس أنني أقبل بالرأي رياء.

الحمد لله.

أولا:

حكم مصافحة المرأة الأجنبية

اتفق الفقهاء على تحريم مصافحة المرأة الأجنبية إذا كانت شابة، واختلفوا في العجوز على قولين، فأجاز مصافحتها الحنفية والحنابلة، ومنع ذلك المالكية والشافعية.

ولم نقف على من أجاز مصافحة الشابة، وقد نقلنا أقوال المذاهب الأربعة في جواب السؤال رقم:(360044). 

ثانيا:

حكم من استحل محرماً مجمعاً عليه

من استحل محرما مجمعا عليه، دون شبهة، أو تأويل كفر.

قال ابن قدامة رحمه الله: " ومن اعتقد حل شيء أُجمع على تحريمه، وظهر حكمُه بين المسلمين، وزالت الشبهة فيه، للنصوص الواردة فيه؛ كلحم الخنزير، والزنى، وأشباه هذا مما لا خلاف فيه كفر؛ لما ذكرنا في تارك الصلاة.

وإن استحل قتل المعصومين، وأخذ أموالهم، بغير شبهة ولا تأويل: فكذلك.

وإن كان بتأويل، كالخوارج: فقد ذكرنا أن أكثر الفقهاء لم يحكموا بكفرهم، مع استحلالهم دماء المسلمين وأموالهم، وفعلهم لذلك متقربين به إلى الله تعالى، وكذلك لم يحكم بكفر ابن ملجم، مع قتله أفضل الخلق في زمنه، متقربا بذلك...

وكذلك يُخرَّج في كل محرم استُحل بتأويل مثل هذا.

وقد روي أن قدامة بن مظعون شرب الخمر مستحلا لها، فأقام عمر عليه الحد، ولم يكفره.

وكذلك أبو جندل بن سهيل، وجماعة معه: شربوا الخمر بالشام مستحلين لها، مستدلين بقول الله تعالى: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا) الآية؛ فلم يكفروا، وعرفوا تحريمها؛ فتابوا , وأقيم عليهم الحد.

فيخرَّج فيمن كان مثلهم: مثلُ حكمهم.

وكذلك كل جاهل بشيء يمكن أن يجهله، لا يحكم بكفره حتى يُعرف ذلك، وتزول عنه الشبهة، ويستحله بعد ذلك.

وقد قال أحمد: من قال: الخمر حلال، فهو كافر؛ يستتاب، فإن تاب، وإلا ضربت عنقه.

وهذا محمول على من لا يخفى على مثله تحريمه؛ لما ذكرنا.

فأما إن أكل لحم خنزير، أو ميتة، أو شرب خمرا؛ لم يُحكم بردته بمجرد ذلك، سواء فعله في دار الحرب أو دار الإسلام؛ لأنه يجوز أن يكون فعله معتقدا تحريمه، كما يفعل غير ذلك من المحرمات " انتهى من "المغني"(9/21).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه، أو حرم الحلال المجمع عليه، أو بدل الشرع المجمع عليه: كان كافرا مرتدا، باتفاق الفقهاء" انتهى من "مجموع الفتاوى" (3/267).

واشترط الحنفية أن يكون التحريم ثابتا بدليل قطعي.

وقال ملا قاري - رحمه الله -: " إن استحلال المعصية، صغيرةً كانت أو كبيرةً: كفر؛ إذا ثبت كونُها معصية بدلالة قطعية". انتهى من "شرح الفقه الأكبر"(126).

قال الطحطاوي في حاشيته على مراقي الفلاح، ص 5: "واعلم أن المستحل لا يكفر إلا إذا كان المحرم حراما لعينه، وثبتت حرمته بدليل قطعي. وإلا؛ فلا. صرح به في (الدرر عن الفتاوي)، في آخر كتاب الحظر" انتهى.

واشترط المالكية والشافعية أن يكون التحريم معلوما بالضرورة.

قال الدردير في "الشرح الكبير" (4/303): " (أو) (استحل) حراما عُلمت حرمته من الدين ضرورة، (كالشرب) للخمر، أو جحد حِلّ مُجمع على إباحته، أو وجوب مجمع على وجوبه؛ أي: مما علم من الدين ضرورة".

قال الدسوقي: " قوله: (علم من الدين ضرورة): أي علم ضرورة حالة كونه من الدين؛ أي علم علما يشبه العلم الضروري، في معرفة العام والخاص له؛ لأن أحكام الدين نظرية في الأصل لا ضرورية".

وقال في "نهاية المحتاج" (7/415) فيما يوجب الردة: " (أو) (حلل محرما بالإجماع)؛ قد علم تحريمه من الدين بالضرورة، ولم يجز خفاؤه عليه، (كالزنا) واللواط وشرب الخمر والمكس...

أما ما لا يعرفه إلا الخواص، كاستحقاق بنت الابن السدس مع بنت الصلب، وكحرمة نكاح المعتدة للغير، وما لمنكره أو لمثبته تأويل غير قطعي، البطلان كما مر في النكاح، أو بعُد عن العلماء بحيث يخفى عليه ذلك= فلا كفر بجحده؛ لأنه ليس فيه تكذيب. وما نوزع به في نكاح المعتدة من شهرته، يُرَدّ بمنع ضروريته؛ إذ المراد بها ما يشترك في معرفته العام والخاص، ونكاح المعتدة ليس كذلك إلا في بعض أقسامه؛ وذلك لا يؤثر" انتهى.

وعليه؛ فلا يكفر من استحل مصافحة النساء الأجنبيات لأن تحريم ذلك ليس معلوما بالضرورة بحيث يعلمه الخاص والعام، بل كثير من الناس يجهل تحريمه، وليس ثابتا بدليل قطعي، ولا حُكي فيه الإجماع، وإنما حكى فيه بعض الناس اتفاق الفقهاء، وليس هذا هو الإجماع المحتج به.

ثالثا:

فعل المُحرّم لا يعني الاستحلال

من اعتقد بقلبه حرمة المصافحة، ثم فعلها كان آثما، ولا يقال إنه مستحل.

رابعا:

لا ينبغي الالتفات إلى الوسوسة بالرياء، بل يقول الإنسان ويعتقد ما يراه صوابا، ولا يتلفت إلى هذه الوسوسة.

وحسبك في تحريم المصافحة: حديث معقل بن يسار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لَا تَحِلُّ لَهُ) رواه الطبراني، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" برقم (5045).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب