الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

حد الإكراه الذي لا يقع معه الطلاق

393995

تاريخ النشر : 17-12-2022

المشاهدات : 4828

السؤال

أعاني من سرعة قذف منذ زمن بعيد، وأنا متزوج من مدة طويلة جداً، ولي عدد من الأبناء، زوجتي طلبت الطلاق، وهددتني إن لم أطلقها ستفضحني وسط أهلي وأصدقائي، فرضخت مجبرا، وكانت هي الثانية، وأرجعتها في العدة بدون علمها، والآن هي مصرة على الطلاق مرة أخرى، وأنا لا أريد. فهل تعد الطلقة التي تحت تهديد الفضيحة محسوبة، وإن طلقتها الآن لتراجعها برضاها تعتبر الثالثة؟ أفيدوني سريعا، فأنا لا أدري ماذا أفعل؟ لا أريد التفريط فيها.

الجواب

الحمد لله.

ذهب جمهور العلماء إلى أن طلاق المكره لا يقع ، واستدلوا بما رواه ابن ماجه (2043) عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) صححه الألباني في "صحيح ابن ماجة".

وروى البيهقي في "السنن الكبرى" (15499) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " لَيْسَ لِمُكْرَهٍ طَلاَقٌ " وصححه ابن القيم في "أعلام الموقعين" (3/38).

وجاء في "الموسوعة الفقهية" (29/ 17-18) :

"وقد ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى عَدَمِ وُقُوعِ طَلاَقِ الْمُكْرَهِ إِذَا كَانَ الإْكْرَاهُ شَدِيدًا، كَالْقَتْل، وَالْقَطْعِ، وَالضَّرْبِ الْمُبَرِّحِ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لاَ طَلاَقَ وَلاَ عَتَاقَ فِي إِغْلاَقٍ) وَلِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ: (إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) وَلأِنَّهُ مُنْعَدِمُ الإْرَادَةِ وَالْقَصْدِ، فَكَانَ كَالْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ، فَإِذَا كَانَ الإْكْرَاهُ ضَعِيفًا، أَوْ ثَبَتَ عَدَمُ تَأَثُّرِ الْمُكْرَهِ بِهِ، وَقَعَ طَلاَقُهُ لِوُجُودِ الاِخْتِيَارِ" انتهى .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

"وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ الْمُكْرَهِ، وَالْإِكْرَاهُ يَحْصُلُ إمَّا بِالتَّهْدِيدِ أَوْ بِأَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَضُرُّهُ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ بِلَا تَهْدِيدٍ ..." انتهى من "الاختيارات" (ص 366) .

وقال ابن جزي في "القوانين الفقهية" (ص 151) "وأما من أكره على الطلاق بضرب أو سجن أو تخويف فإنه لا يلزمه عند الإمامين وابن حنبل ، خلافا لأبي حنيفة" انتهى. يقصد بالإمامين مالك والشافعي.

ثانيا :

وقد بَيَّن العلماء شروط الإكراه الذي لا يقع معه الطلاق، وفي الأقوال المنقولة آنفا شيء من هذه الشروط ، وأن الإكراه الضعيف لا يعد إكراها، ولا يمنع من وقوع الطلاق.

قال ابن قدامة في "المغني" (10/351):

"وَمِنْ شَرْطِ الْإِكْرَاهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مِنْ قَادِرٍ بِسُلْطَانِ أَوْ تَغَلُّبٍ، كَاللِّصِّ وَنَحْوِهِ ...

الثَّانِي: أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ نُزُولُ الْوَعِيدِ بِهِ، إنْ لَمْ يُجِبْهُ إلَى مَا طَلَبَهُ.

الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَسْتَضِرُّ بِهِ ضَرَرًا كَثِيرًا، كَالْقَتْلِ، وَالضَّرْبِ الشَّدِيدِ ، وَالْقَيْدِ ، وَالْحَبْسِ الطَّوِيلِ ، فَأَمَّا الشَّتْمُ ، وَالسَّبُّ ، فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَكَذَلِكَ أَخْذُ الْمَالِ الْيَسِيرِ" انتهى .

وبناء على هذا، فالذي يظهر أن إشاعة ما ذكرته (سرعة القذف) لا يعد فضيحة ولا إكراها، فهذا أمر يصيب الكثير من الناس، ولا يعده الناس فضيحة ، ولا شيئا يلام عليه الرجل، بل هو كالأمراض التي تصيب الإنسان ولا يكون هو المتسبب فيها.

وعلى هذا، فالطلقة التي أوقعتها على زوجتك واقعة ومحسوبة من مرات الطلاق، وبهذا تكون طلقتها طلقتين، وبقيت لك الثالثة.

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب