السبت 18 شوّال 1445 - 27 ابريل 2024
العربية

يدعو على ظالمه، ويقول إنه لم ير نتيجة دعواته؟!

394077

تاريخ النشر : 10-07-2023

المشاهدات : 3292

السؤال

مسحور، ومظلوم، لسنوات لم أعفو، وأدعو الله تعالى على من ظلمني، فهل في حال الدعاء على الساحر والظالم واعوانهم يكون فيها المظلوم قد انتصف منهم ولا يبقى له حق في الاخرة؟ مع انه يدعو ولم يرى شيئا اصابهم مما دعاه ولا حتى غيره، اعرف ان الاجابة لها وقت حين يشاء الله ولكن الى متى يستمر الدعاء عليهم لأني قرات انه ربما انتصف وزاد فلم يبق له شيء في الاخرة ، وكيف يكون انتصف وهو لم يجد شيئا مما دعاه اصابهم هل يضيع حقه في الدنيا والاخرة بمجرد دعوات لم تستجب حتى الآن؟

الجواب

الحمد لله.

أذن الله تعالى للمظلوم بالانتصار من ظالمه بالدعاء، وحذر الظالم من ذلك.

كما في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى اليَمَنِ، فَقَالَ:  اتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ رواه البخاري (2448)، ومسلم (19).

وكما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ  رواه أبو داود (1536)، والترمذي (1905)، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ".

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" أما دعوة المظلوم فمعناها: إذا ظلمك أحد ... فإذا دعوت الله عليه استجاب الله دعاءك، حتى ولو كان المظلوم كافرا وظلمته، ثم دعا الله عليك؛ استجاب الله دعاءه، لا حبا للكافر، ولكن حبا للعدل، لأن الله حكم عدل ، والمظلوم لابد أن ينصف له من الظالم ، ولهذا لما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن قال له: (اتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب).

فالمظلوم دعوته مستجابة، إذا دعا على ظالمه بمثل ما ظلمه أو أقل، أما إن تجاوز فإنه يكون معتديا، فلا يستجاب له" انتهى من "شرح رياض الصالحين" (4/ 615–616).

لكن دعاء المسلم على من ظلمه، إذا لم يدع بإثم، ولم يتعدّ؛ فلا يلزم أن تكون الاستجابة له بنفس دعوته، فقد يكرمه الله تعالى بما هو أفضل، فدعاء المظلوم يدخل في عموم حديث عُبَادَة بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ.

فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: إِذًا نُكْثِرُ!

قَالَ:  اللَّهُ أَكْثَرُ رواه الترمذي (3573) وقال: "وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ ".

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" ... والجواب عن ذلك: أن كل داع يستجاب له، لكن تتنوع الإجابة، فتارة تقع بعين ما دعا به، وتارة بعوضه، وقد ورد في ذلك حديث صحيح أخرجه الترمذي والحاكم من حديث عبادة بن الصامت رفعه:  مَا عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا ولأحمد من حديث أبي هريرة: إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَهَا لَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ.

وله في حديث أبي سعيد رفعه: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا وصححه الحاكم " انتهى من "فتح الباري" (11/ 95–96).

فاللائق بالمسلم إذا قام بالدعاء، أن يكل الأمر إلى الله تعالى ولا يشترط نتيجة معينة، فالله أعلم وأحكم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" فالدعوة التي ليس فيها اعتداء يحصل بها المطلوب، أو مثله. وهذا غاية الإجابة؛ فإن المطلوب بعينه قد يكون ممتنعا، أو مفسدا للداعي، أو لغيره؛ الداعي جاهل، لا يعلم ما فيه المفسدة عليه، والرب قريب مجيب، وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، والكريم الرحيم إذا سئل شيئا بعينه، وعلم أنه لا يصلح للعبد إعطاؤه: أعطاه نظيره، كما يصنع الوالد بولده إذا طلب منه ما ليس له؛ فإنه يعطيه من ماله نظيره، ولله المثل الأعلى" انتهى من "مجموع الفتاوى" (14/ 368).

وهذا نبي الله صلى الله عليه وسلم دعا على بعض الظالمين من الكفار مرات عدة، فخاطبه الله تعالى بقوله:

(لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) آل عمران/128.

روى البخاري (4069) عن سَالِم بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ: " أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ مِنَ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنَ الفَجْرِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ العَنْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا. بَعْدَ مَا يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ليْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ.

قال البخاري (4070): وَعَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عَلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَالحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، فَنَزَلَتْ: ليْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:

" لما جرى يوم "أحد" ما جرى، وجرى على النبي صلى الله عليه وسلم مصائب، رفع الله بها درجته، فشج رأسه ، وكسرت رباعيته، قال: ( كيف يفلح قوم شجوا نبيهم )، وجعل يدعو على رؤساء من المشركين مثل أبي سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام، أنزل الله تعالى على رسوله نهيا له عن الدعاء عليهم باللعنة والطرد عن رحمة الله: ( لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ )؛ إنما عليك البلاغ وإرشاد الخلق والحرص على مصالحهم، وإنما الأمر لله تعالى هو الذي يدبر الأمور، ويهدي من يشاء ويضل من يشاء، فلا تدع عليهم ، بل أمرهم راجع إلى ربهم، إن اقتضت حكمته ورحمته أن يتوب عليهم ويمن عليهم بالإسلام فعل، وإن اقتضت حكمته إبقاءهم على كفرهم وعدم هدايتهم، فإنهم هم الذين ظلموا أنفسهم وضروها وتسببوا بذلك، فعل، وقد تاب الله على هؤلاء المعينين وغيرهم، فهداهم للإسلام رضي الله عنهم، وفي هذه الآية مما يدل على أن اختيار الله غالب على اختيار العباد، وأن العبد وإن ارتفعت درجته وعلا قدره قد يختار شيئا وتكون الخيرة والمصلحة في غيره " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 147).

فالحاصل؛ أن ما دعوت به على من ظلمك إذا لم يكن في هذا الدعاء اعتداء، فالرجاء في كرم الله تعالى أن لا يضيع عملك، بل يكرمك الله تعالى بهذه الدعوات، إما في دنياك، أو آخرتك، فلتحسن الظن بالله تعالى، وبأن له في كل تصريف للأمور حكمة بالغة.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب