الحمد لله.
وردت عدة أحاديث بقتل شارب الخمر في المرة الرابعة أو الخامسة، وقد قوّاها بعض أهل العلم.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
” ما ورد في الحديث: أنه إن شرب فحُدَّ ثلاثَ مرات، ثم شرب: قتل في الرابعة. وفي رواية: في الخامسة. وهو حديث مخرج في السنن من عدة طرق أسانيدها قوية ” انتهى. “فتح الباري” (12 / 73).
لكن أهل العلم اتفقوا على أن هذا الحكم منسوخ، فلا يقتل شارب الخمر حدّا وإنما يجلد.
روى أبو داود (4482 ) و الترمذي (1444)، وغيرهما: عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فِي الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ.
قَالَ الترمذي عقبه:
“وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الأَمْرِ، ثُمَّ نُسِخَ بَعْدُ، هَكَذَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّ مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فِي الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ، قَالَ: ثُمَّ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الخَمْرَ فِي الرَّابِعَةِ، فَضَرَبَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ )، وَكَذَلِكَ رَوَى الزُّهْرِيُّ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ هَذَا قَالَ: فَرُفِعَ القَتْلُ، وَكَانَتْ رُخْصَةً.
وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ العِلْمِ، لَا نَعْلَمُ بَيْنَهُمْ اخْتِلَافًا فِي ذَلِكَ، فِي القَدِيمِ وَالحَدِيثِ. وَمِمَّا يُقَوِّي هَذَا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَوْجُهٍ كَثِيرَةٍ أَنَّهُ قَالَ: ( لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ ) ” انتهى.
وحديث جابر رضي الله عنه رواه النسائي في “السنن الكبرى” (5 / 143)؛ عن مُحَمَّد بْن إِسْحَاقَ، عَنْ محمد مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاضْرِبُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاضْرِبُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاضْرِبُوهُ، فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ.
فَضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُعَيْمَانَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَرَأَى الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الْحَدَّ قَدْ وَقَعَ، وَأَنَّ الْقَتْلَ قَدْ رُفِعَ ).
وحديث قَبِيصَةَ رواه أبو داود (4485) عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ.
فَأُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ فَجَلَدَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَجَلَدَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَجَلَدَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَجَلَدَهُ، وَرَفَعَ الْقَتْلَ، وَكَانَتْ رُخْصَةٌ “.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
” وقبيصة بن ذؤيب من أولاد الصحابة وولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه … والظاهر أن الذي بلَّغ قبيصةَ ذلك صحابيٌّ، فيكون الحديث على شرط الصحيح؛ لأن إبهام الصحابي لا يضر، وله شاهد أخرجه عبد الرزاق، عن معمر، قال: حدثت به ابن المنكدر، فقال: ترك ذلك، قد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن نعيمان فجلده ثلاثا ثم أتي به في الرابعة فجلده ولم يزد ” انتهى. “فتح الباري” (12 / 80).
وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى بعد ذكره لحديث قبيصة هذا:
” والقتل منسوخ بهذا الحديث وغيره، وهذا مما لا اختلاف فيه بين أحد من أهل العلم علمته ” انتهى. “الأم” (7 / 365).
والله أعلم.
تعليق