الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

هل يجوز أن يقال لشخص: نفسك طاهرة، تحبيبا له في الطاعة؟

395984

تاريخ النشر : 15-04-2023

المشاهدات : 2427

السؤال

هل يجوز أن يقول الشخص لأخته "أنتِ نفس طاهرة" مجاملة، ويقولها في صياغة يقربها إلى طاعة الله تعالى؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

إذا قال شخص لأحد: نفسك طاهرة، فلا حرج في ذلك ولو كان عاصيا، ويقصد بهذا الكلام أنها طاهرة من الشرك ومن الفواحش التي لا يقع فيها، ولا يقصد بذلك أنها طاهرة من كل ما يدنسها، حتى لا يكون كاذبا في كلامه، أو يذكره ويريد به ذاته وجسده، فإن المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا.

ثانيا:

إذا خيف على الشخص الذي يقال له هذا الكلام أن يقع في نفسه شيء من الكبر أو الإعجاب بالنفس ، فلا يجوز أن يواجه بهذا المدح .

روى البخاري (6061)، ومسلم (3000) عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَجُلٌ خَيْرًا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ - يَقُولُهُ مِرَارًا - إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا لَا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ كَذَا وَكَذَا إِنْ كَانَ يُرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ وَحَسِيبُهُ اللَّهُ ، وَلَا يُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:

" قَالَ اِبْن بَطَّال: حَاصِل النَّهْي: أَنَّ مَنْ أَفْرَطَ فِي مَدْح آخَر بِمَا لَيْسَ فِيهِ لَمْ يَأْمَن عَلَى الْمَمْدُوح الْعُجْب لِظَنِّهِ أَنَّهُ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَة، فَرُبَّمَا ضَيَّعَ الْعَمَل وَالِازْدِيَاد مِنْ الْخَيْر اِتِّكَالًا عَلَى مَا وُصِفَ بِهِ

وَقَالَ الْغَزَالِيّ فِي "الْإِحْيَاء" : آفَة الْمَدْح فِي الْمَادِح أَنَّهُ قَدْ يَكْذِب، وَقَدْ يُرَائِي الْمَمْدُوح بِمَدْحِهِ، وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ ظَالِمًا" انتهى.

وروى الإمام أحمد (16395)، وابن ماجه (3743) عن مُعَاوِيَة رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (إِيَّاكُمْ وَالتَّمَادُحَ ، فَإِنَّهُ الذَّبْحُ) وحسنه الألباني في "صحيح ابن ماجة".

قال المناوي:

"لما فيه من الآفة في دين المادح والممدوح ، وسماه ذبحا لأنه يميت القلب فيخرج من دينه، وفيه ذبح للممدوح فإنه يغره بأحواله ويغريه بالعجب والكبر ويرى نفسه أهلا للمدحة، سيما إذا كان من أبناء الدنيا أصحاب النفوس وعبيد الهوى، وفي رواية : (فإنه من الذبح) وذلك لأن المذبوح هو الذي يفتُر عن العمل، والمدح يوجب الفتور، أو لأن المدح يورث العجب والكبر وهو مهلك كالذبح، فلذلك شبه به، قال الغزالي رحمه الله: فمن صنع بك معروفا فإن كان ممن يحب الشكر والثناء فلا تمدحه؛ لأن قضاء حقه أن لا تقره على الظلم، وطلبه للشكر ظلم، وإلا فأظهر شكره ليزداد رغبة في الخير" انتهى.

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(130126). 

ثالثا:

إذا أمنت الفتنة من مدح الإنسان في وجهه، ولم تُخش مفسدة ذلك، ودعت المصلحة الشرعية المعتبرة إلى مثل ذلك: فلا بأس به.

ومثال ذلك: أن يرمى شخص بما هو منه برئ، فينصره صاحبه في مظلمته، ويدفع عنه ظِنَّة السوء.

ومن ذلك: أن يخاطب من ضعفت نفسه، وخشي عليه أن ينصرف عن الطاعة، أو ييأس من رحمة الله وفضله؛ فيخاطب بمثل ذلك تقوية لقلبه، ودعوة له إلى الالتفات إلى ما عنده من الخير والفضل، والأخذ بيده وتشجيعه على التوبة والاستقامة: فلا حرج منه حينئذ ، فإن التلطف مع العصاة وتأليف قلوبهم أمر مطلوب شرعا. وقد خاطب الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) آل عمران/159.

هذا، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم معه من الآيات والمعجزات ما تثبت أن ما معه هو الحق، ولكن كثيرا من الناس لا ينقادون للحق إلا إذا كان معه حسن خلق، ورفق من الداعي إليه .

وينظر: "الآداب الشرعية" لابن مفلح (2/110)، فقد نقل هذا المعنى عن ابن عقيل الحنبلي رحمه الله.

فلا حرج على الداعي أن يذكر بعض صفات المدعو الحسنة، حتى يكون في ذلك تأليف لقلبه، فيقبل النصيحة، ولا يتعالى عليها.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب