الخميس 23 شوّال 1445 - 2 مايو 2024
العربية

ما حكم دعاء الله والتوسل بصيغة : اللهم إني أسألك بحبك لمحمد صلى الله عليه وسلم

396612

تاريخ النشر : 08-02-2023

المشاهدات : 8219

السؤال

هل يجوز الدعاء والتوسل إلى الله بحبه للرسول صلى الله عليه وسلم كأن أقول مثلا: " اللهم إني أسألك بحبك للنبي محمد صلى الله عليه وسلم أن تعطيني كذا وكذا"؟ وهل في ذلك نوع من التوسل المحرم أو الشرك معاذ الله تعالى؟

ملخص الجواب

هذه الصيغة من التوسل والدعاء: من المشتبهات، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ ) ولو أنك قلت: أسألك بحبي لنبيك، لكان توسلا بعملك الصالح، وهو مشروع بلا خلاف.

الجواب

الحمد لله.

اختلف أهل العلم في حكم الدعاء بقول: اللهم إني أسألك بحبك للنبي محمد صلى الله عليه وسلم أن تعطيني كذا وكذا، على قولين:

القول الأول: أنه ذلك من التوسل الجائز، وهو من التوسل إلى الله بصفة من صفاته، وهي محبته لنبيه صلى الله عليه وسلم، والتوسل إلى الله بصفاته مشروع، كما دل عليه حديث الاستخارة وفيه: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ  رواه البخاري (6382).

ومن ذلك أيضا ما رواه  أحمد (18325) والنسائي (1603) عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، قَالَ: صَلَّى عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ بِالْقَوْمِ صَلَاةً أَخَفَّهَا، فَكَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوهَا، فَقَالَ: أَلَمْ أُتِمَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: أَمَا إِنِّي دَعَوْتُ فِيهَا بِدُعَاءٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهِ: اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي...  وصححه الألباني.

قال الشيخ الألباني رحمه الله: " أما الأنواع المشار إليها من التوسل المشروع فهي:

1- التوسل إلى الله تعالى باسم من أسمائه الحسنى، أو صفة من صفاته العليا:

كأن يقول المسلم في دعائه: اللهم إني أسألك بأنك أنت الرحمن الرحيم، اللطيف الخبير أن تعافيني.

أو يقول: أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن ترحمني وتغفر لي.

ومثله قول القائل: اللهم إني أسألك بحبك لمحمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن الحب من صفاته تعالى.

ودليل مشروعية هذا التوسل قوله عز وجل: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}.

والمعنى: ادعوا اللهَ تعالى، متوسلين إليه بأسمائه الحسنى.

ولا شك أن صفاته العليا عز وجل داخلة في هذا الطلب، لأن أسماءه الحسنى سبحانه صفات له، خُصت به تبارك وتعالى" انتهى من "التوسل أنواعه وأحكامه" ص 30

والقول الثاني: أن هذا النوع من التوسل لم يرد، وأنه ليس من التوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته؛ بل ذاك شيء آخر.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " فقد تبين أن قول القائل: أسألك بكذا، نوعان:

فإن الباء قد تكون للقسم، وقد تكون للسبب؛ فقد تكون قسماً به على الله، وقد تكون سؤالاً بسببه.

فأما الأول: فالقسم بالمخلوقات لا يجوز على المخلوق؛ فكيف على الخالق؟.

وأما الثاني، وهو السؤال بالمُعظَّم، كالسؤال بحق الأنبياء: فهذا فيه نزاع، وقد تقدم عن أبي حنيفة وأصحابه أنه لا يجوز.

ومن الناس من يجوّز ذلك.

فنقول: قول السائل لله: أسألك بحق فلان وفلان، من الملائكة والأنبياء والصالحين وغيرهم، أو بجاه فلان، أو بحرمة فلان: يقتضي أن هؤلاء لهم عند الله جاه، وهذا صحيح، فإن هؤلاء لهم عند الله منزلة وجاه وحرمة؛ يقتضي أن يرفع الله درجاتهم، ويعظم أقدارهم، ويقبل شفاعتهم إذا شفعوا، مع أنه سبحانه قال: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَا بِإِذْنِهِ}.

ويقتضي أيضاً أن من اتبعهم، واقتدى بهم، فيما سُن له الاقتداء بهم فيه: كان سعيداً، ومن أطاع أمرهم الذي بلغوه عن الله: كان سعيداً.

ولكن ليس نفسُ مجرد قدرهم وجاههم، ممَّا يقتضي إجابة دعائه إذا سأل الله بهم، حتى يسألَ الله بذلك؛ بل جاههم ينفعه إذا اتبعهم وأطاعهم فيما أمروا به عن الله، أو تأسى بهم فيما سنوه للمؤمنين، وينفعه أيضاً إذا دعوا له وشفعوا فيه.

فأما إذا لم يكن منهم دعاء ولا شفاعة، ولا منه سبب يقتضي الإجابة؛ لم يكن مستشفعاً بجاههم، ولم يكن سؤاله بجاههم نافعاً له عند الله، بل يكون قد سأل بأمر أجنبي عنه ليس سبباً لنفعه.

ولو قال الرجل لمطاع كبير: أسألك بطاعة فلان لك، وبحبك له على طاعتك، وبجاهه عندك الذي أَوْجَبَتْهُ طاعتُه لك؛ لكان قد سأله بأمر أجنبي، لا تعلق له به.

فكذلك إحسان الله إلى هؤلاء المقربين، ومحبته لهم، وتعظيمه لأقدارهم، مع عبادتهم له وطاعتهم إياه: ليس في ذلك ما يوجب إجابة دعاء من يسأل بهم، وإنما يوجب إجابة دعائه بسبب منه، لطاعته لهم، أو سبب منهم لشفاعتهم له، فإذا انتفى هذا وهذا فلا سبب.

نعم لو سأل الله بإيمانه بمحمد صلى الله عليه وسلم، ومحبته له، وطاعته له، واتباعه له؛ لكان قد سأله بسبب عظيم يقتضي إجابة الدعاء بل هذا أعظم الأسباب والوسائل".

قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (1/ 105 - 106)، وضمن "مجموع الفتاوى" (1/211-212).

والحاصل:

أن هذه الصيغة من التوسل والدعاء: من المشتبهات، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ رواه الترمذي (2518) من حديث الحسن بن علي، رضي الله عنهما، وقال: "حَدِيثٌ صَحِيحٌ".

ولو أنك قلت: أسألك بحبي لنبيك، لكان توسلا بعملك الصالح، وهو مشروع بلا خلاف.

 

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب