الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

إمام مسجدهم لا يحسن التلاوة، فهل لهم أن يصلوا جماعة في البيت؟

396747

تاريخ النشر : 14-04-2023

المشاهدات : 2341

السؤال

أنا طالب بجامعة تابعة للأزهر، وأسكن بجانبها في أحد الشقق القريبة، وبجانبها مسجدان، الأول إمامه كثير الغلط في الصلاة في قراءته وتجويده، وأيضا قد يصلي بآية واحدة فقط، مثل: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) ثم يركع، والثاني سريع جدا في صلاته، لدرجة أننا نجد الوقت فقط لتسبيحتين أو واحدة في الركوع أو السجود، فقررنا أن نصلي جماعة في الشقة، منها أن أمامنا يكون صحيح القراءة، ومنها أننا نطيل كيف شئنا، وهذا الحال استمر على شهرين تقريبا دون أن نقيم للصلاة، فهل تجب الإقامة في هذه الحالة؟ وهل إذا كان عدم إقامتنا هذه بسبب كلام واحد منا، قال: إن أحد الآراء قال إن الإقامة في المسجد بقربه هذا تكفينا خطأ منه، وخلطا بين المنفرد والجماعة، فهل يحمل ذنب المدة التي صلينا فيها من غير إقامة للصلاة؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

عَنْ مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي، فَلَمَّا أَرَدْنَا الْإِقْفَالَ مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ لَنَا: (إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَأَذِّنَا، ثُمَّ أَقِيمَا، وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا) روى البخاري (630)، ومسلم (674) واللفظ له.

ففيه الأمر بالإقامة للصلاة، والأصل أن الأمر للوجوب، ويتأيد بملازمة النبي صلى الله عليه وسلم لها.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" قوله: ( هما فرض كفاية )، هذا بيان لحكمهما...

والدليل على فرضيتهما: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهما في عدة أحاديث، وملازمته لهما في الحضر والسفر، ولأنه لا يتم العلم بالوقت إلا بهما غالبا، ولتعين المصلحة بهما؛ لأنهما من شعائر الإسلام الظاهرة.

وقوله: "كفاية" وهو الذي إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين.

ودليل كونه فرض كفاية: قول النبي صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث: ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم )...

واجبان على المقيمين والمسافرين، ودليله: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمالك بن الحويرث وصحبه: ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم )، وهم وافدون على الرسول عليه الصلاة والسلام، مسافرون إلى أهليهم، فقد أمر الرسول عليه الصلاة والسلام أن يؤذن لهم أحدهم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدع الأذان ولا الإقامة، حضرا ولا سفرا، فكان يؤذن في أسفاره ويأمر بلالا رضي الله عنه أن يؤذن.

فالصواب: وجوبه على المقيمين والمسافرين.

قوله: " للصلوات "، اللام للتعليل، يعني أن الأذان والإقامة واجبان للصلاة، وليسا واجبين فيها.

والفرق بين الواجب للشيء والواجب فيه: أن الواجب في الشيء من حقيقته وماهيته، كالتشهد الأول مثلا، وأما الواجب للشيء فهو خارج عن الحقيقة والماهية، كالأذان والإقامة للصلاة، فهما خارجان عن الصلاة واجبان لها. فلو صلى بدونهما صحت صلاته، ولو ترك التشهد الأول عمدا لم تصح" انتهى من "الشرح الممتع" (2/ 42 – 45).

والمسلم إذا تكلّم بالأمر يعتقد أنه الصواب جهلا وخطئا، فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى؛ لأن الإثم رفع عمن لم يتعمد المخالفة.

قال الله تعالى:(وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الأحزاب/5.

لكن إن تكلم به وهو غير متيقن منه وشاك في صحته، أو شاك في ضبطه لما سمعه، فهذا لا يجوز له أن يخبر بما لا يعلم صحته.

قال الله تعالى:(وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) الإسراء/36.

ثانيا:

ما ذكرتم من صلاتكم في الشقة وعدم سعيكم إلى جماعة المسجد، هذا أمر لا ينبغي ، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بحضور الجماعة في المساجد ، وحث على ذلك في أحاديث كثيرة .

ينظر جواب سؤال رقم: (8918)، ورقم: (120).

ولا يجوز التخلف عنها إلا لعذر.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ، فَلَا صَلَاةَ لَهُ، إِلَّا مِنْ عُذْرٍ) رواه ابن ماجه (793)، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (2/337).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

"فأما صلاة الجماعة: فدل الكتاب والسنة وأقوال الصحابة؛ على وجوبها مع عدم العذر، وسقوطها بالعذر" انتهى من "مجموع الفتاوى" (23/244).

وما ذكرته من أخطاء إمام مسجدكم في التلاوة، فإن كانت له أخطاء في سورة الفاتحة تغير المعنى، فإن تخلفكم عن الصلاة وراءه في هذه الحال مشروع؛ لأنه لا تجوز الصلاة خلفه، كما سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم: (194317).

لكن لا عذر لكم في التخلف عن جماعة المسجد، مادام هناك مسجد قريب منكم إمامه لا يلحن في التلاوة، وسرعته مادامت لا تسقط معها واجبات الصلاة، كما يفهم من السؤال؛ فصلاته صحيحة.

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَنَمَةَ قَالَ: رَأَيْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى، فَأَخَفَّ الصَّلَاةَ، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ قُمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ لَقَدْ خَفَّفْتَ. قَالَ: فَهَلْ رَأَيْتَنِي انْتَقَصْتُ مِنْ حُدُودِهَا شَيْئًا؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَإِنِّي بَادَرْتُ بِهَا سَهْوَةَ الشَّيْطَانِ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

(إِنَّ الْعَبْدَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْهَا إِلَّا عُشْرُهَا، تُسْعُهَا، ثُمْنُهَا، سُبْعُهَا، سُدْسُهَا، خُمْسُهَا، رُبْعُهَا، ثُلُثُهَا، نِصْفُهَا) رواه أبو داود (796) والإمام أحمد في "المسند" (31 / 189) واللفظ له. وصححه محققو المسند، وحسنه الألباني، حيث قال في "صحيح سنن أبي داود" (3/382):

" قلت: حديث حسن. وأخرجه أحمد بإسناد صححه الحافظ العراقي" انتهى.

ويمكن أن تستدركوا هذا التقصير بصلاة النوافل والتطوع.

لكن لو فرض أنه يُسقط بسرعته شيئا من واجباتها ففي هذه الحال لا تصح الصلاة خلفه.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ، فَصَلَّى، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَدَّ وَقَالَ: (ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ)، فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ) (ثَلاَثًا)، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي.

فَقَالَ: (إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا) رواه البخاري (757)، ومسلم (397).

وبكل حال؛ فما دمتم في بلد مسلم كثير المساجد، فلن تعدموا بحمد الله تعالى مسجدا آخرا ليس بالبعيد، تمشون إليه وتحتسبون خطواتكم.

عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود، قَالَ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مَنْ سُنَنَ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ، إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ" رواه مسلم (654).

فصلاة الجماعة ليست متعلقة فقط بالمسجد الذي بالجوار، بل متعلقة بأي مسجد يسمع منه النداء.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ، فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى، دَعَاهُ، فَقَالَ: (هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟) قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: (فَأَجِبْ) رواه مسلم (653).

سُئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:

" إننا نبعد عن مسجد القرية، ولكننا نصلي جماعة في مكان اتخذناه مصلى لنا، فهل علينا شيء في عدم الذهاب إلى المسجد؟

فأجاب: إذا كنتم تسمعون النداء بالصوت المجرد من دون مكبر؛ لقربه منكم فإنه يلزمكم الذهاب والصلاة معهم... أما إذا كان بعيدا عنكم عرفا يشق عليكم السعي إليه، ولا تسمعون النداء فلا مانع أن تصلوا في محلكم، ولا حرج في ذلك " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (11/ 131 - 132).

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب