الحمد لله.
أولا:
هل يصح خبر سعي هند إلى نبش قبر أم النبي عليه الصلاة والسلام؟
خبر إشارة هند بنبش قبر آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم أثناء مسير المشركين إلى أحد:
هذا الخبر رواه الأزرقي في "أخبار مكة" (2/ 272-273)، قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عِمْرَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَاصِمٍ الْأَسْلَمِيِّ، قَالَ: "لَمَّا خَرَجَتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ، فَنَزَلُوا بِالْأَبْوَاءِ، قَالَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ لِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ: لَوْ بَحَثْتُمْ قَبْرَ آمِنَةَ أُمِّ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّهُ بِالْأَبْوَاءِ، فَإِنْ أُسِرَ أَحَدٌ مِنْكُمُ، افْتَدَيْتُمْ بِهِ كُلَّ إِنْسَانٍ بِإِرْبٍ مِنْ آرَابِهَا. فَذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو سُفْيَانَ لِقُرَيْشٍ، وَقَالَ: إِنَّ هِنْدًا قَالَتْ: كَذَا وَكَذَا، وَهُوَ الرَّأْيُ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: لَا تَفْتَحْ عَلَيْنَا هَذَا الْبَابَ، إِذًا تَبْحَثَ بَنُو بَكْرٍ مَوْتَانَا".
وهذا خبر واه جدا؛ كأنه موضوع.
فهذا الإسناد، مع أنه منقطع مرسل، فإن مرسله وهو: هِشَام بْن عَاصِمٍ الْأَسْلَمِيّ مجهول.
والراوي عنه وهو: عَبْدِ الْعَزِيز بْن عِمْرَانَ متروك الحديث.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
"عبد العزيز بن عمران، هو ابن أبي ثابت المديني الزهري: تركوه" انتهى من "المغني" (2/399).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
"عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز بن عمر ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني الأعرج، يعرف بابن أبي ثابت: متروك. احترقت كتبه فحدث من حفظه، فاشتد غلطه. وكان عارفا بالأنساب" انتهى من "تقريب التهذيب" (ص 358).
ثانيا:
لم يصح الخبر في قطع هند لآذان الشهداء
وأخبار قطعها لآذان الشهداء لجعلها قلادة كذلك لا تصح، وقد سبق بيان حالها في جواب السؤال رقم: (202360).
ثالثا:
هند بنت عتبة أسلمت، والإسلام يهدم ما كان قبله
وسواء صح هذا عن هند قبل إسلامها، أم لم يصح؛ فهي قد آمنت، وذهب عنها ما كانت تجده من بغض للإسلام وللنبي صلى الله عليه وسلم.
عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: "جَاءَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ مِنْ أَهْلِ خِبَاءٍ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَذِلُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ، ثُمَّ مَا أَصْبَحَ اليَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ، أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ" رواه البخاري (3825)، ومسلم (1714).
والإسلام يهدم ما كان قبله. وليس أمرها بذلك إن كانت قد أمرت، أو فعلها ما فعلت؛ بأعظم جرما، ولا أشد إثما عند الله من الكفر برب العالمين، والإشراك به؛ وقد دعا الله جل جلاله المشركين عامة إلى دينه، ووعدهم بالمغرة إن هم أجابوا لذلك.
قال الله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ الأنفال/38.
وروى الإمام مسلم (121) عَنِ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، قَالَ:
" فَلَمَّا جَعَلَ اللهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ، قَالَ: فَقَبَضْتُ يَدِي.
قَالَ: مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟
قَالَ: قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ.
قَالَ: تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟
قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي.
قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا؟ وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
"وأما معاوية رضي الله عنه: فكان أبوه شديد العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك أمه حتى أسلمت، فقالت: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ مِنْ أَهْلِ خِبَاءٍ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَذِلُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ، ثُمَّ مَا أَصْبَحَ اليَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ، أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ) أخرجه البخاري.
وفيهم أنزل الله تعالى: ( عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )؛ فإن الله جعل بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين الذي عادوه، كأبي سفيان وهند وغيرهما، مودة، والله قدير على تبديل العداوة بالمودة، وهو غفور لهم بتوبتهم من الشرك، رحيم بالمؤمنين، وقد صاروا من المؤمنين" انتهى من "منهاج السنة" (4/430).
والله أعلم.
تعليق