الحمد لله.
أولا:
الواجب في كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم؛ لقول الله سبحانه: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ الآية من سورة المائدة/89
ويجزئ في الإطعام أن يعطى لكل مسكين كيلو ونصف الكيلو من الأرز، أو الدقيق، أو أن يعطى وجبة غداء أو عشاء.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: " والواجب في الإطعام لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد وهو كيلو ونصف تقريبا.
وفي الكسوة: ما يجزئه في الصلاة كالقميص أو إزار ورداء.
وإن عشاهم أو غداهم كفى ذلك؛ لعموم الآية الكريمة المذكورة آنفا. والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (23/145).
ويجوز أن تخرج الكفارة من الدقيق.
ثانيا:
ما دمت تملك ما تكفر به، فاضلا عن قوتك وقوت من تلزمه نفقتك لو وجد: فإنه لا يجزئك الصيام، إلا إن كان القدر الذي تحتاجه من الربح يختل بالأخذ من رأس المال، فلا يبقى عائده كافيا لك في معيشتك.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (9/558): " (ويُكفِّر بالصوم: من لم يَفضُل عن قوته وقوت عياله، يومَه وليلتَه، مقدار ما يُكَفِّر به).
وجملة ذلك: أن كفارة اليمين تجمع: تخييرا، وترتيبا، فيتخير بين الخصال الثلاث، فإن لم يجدها انتقل إلى صيام ثلاثة أيام.
ويعتبر أن لا يجد فاضلا عن قوته، وقوت عياله، يومَه وليلَته، قدرا يكفِّر به. وهذا قول إسحاق. ونحوه قال أبو عبيد، وابن المنذر...
ووجه ذلك، أن الله تعالى اشترط للصيام أن لا يجد، بقوله تعالى: فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام [المائدة: 89]؛ ومن وجد ما يكفر به فاضلا عن قوته وقوت عياله، فهو واجد، فيلزمه التكفير بالمال، لظاهر الآية، ولأنه حق لا يزيد بزيادة المال، فاعتبر فيه الفاضل عن قوته وقوت عياله، يومه وليلته، كصدقة الفطر" انتهى.
وقد جعل الفقهاء العجز هنا كالعجز في صدقة الفطر، وفصلوا في ذلك.
قال ابن قدامة في "المغني" (4/310) في زكاة الفطر:
"وَمَنْ لَهُ دَارٌ يَحْتَاجُ إلَيْهَا لِسُكْنَاهَا، أَوْ إلَى أَجْرِهَا لِنَفَقَتِهِ، أَوْ ثِيَابُ بِذْلَةٌ لَهُ، أَوْ لِمَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ، أَوْ رَقِيقٌ يَحْتَاجُ إلَى خِدْمَتِهِمْ هُوَ أَوْ مَنْ يَمُونُهُ، أَوْ بَهَائِمُ يَحْتَاجُونَ إلَى رُكُوبِهَا وَالِانْتِفَاعِ بِهَا فِي حَوَائِجِهِمْ الْأَصْلِيَّةِ، أَوْ سَائِمَةٌ يَحْتَاجُ إلَى نَمَائِهَا كَذَلِكَ، أَوْ بِضَاعَةٌ يَخْتَلُّ رِبْحُهَا الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِإِخْرَاجِ الْفِطْرَةِ مِنْهَا: فَلَا فِطْرَةَ عَلَيْهِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا تَتَعَلَّقُ بِهِ حَاجَتُهُ الْأَصْلِيَّةُ ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ بَيْعُهُ ، كَمُؤْنَةِ نَفْسِهِ" انتهى.
ثالثا:
من حلف أيمانا متعددة، وحنث ولم يكفّر عن شيء منها، فله حالان:
الأول: أن تكون الأيمان على شيء واحد، كأن يقول: والله لا أشرب الدخان، ثم يحنث ولا يكفر، ثم يعود فيحلف كذلك ، فهذا تلزمه كفارة واحدة.
والثاني: أن تكون الأيمان على أفعال مختلفة، كقوله: والله لا شربت، والله لا لبست، والله لا أذهب إلى مكان كذا، والحال أنه حنث ولم يكفّر عن شيء منها، فهل تلزمه كفارة واحدة أو كفارات؟
فيه خلاف بين الفقهاء ، فالجمهور على تعدد الكفارة، والحنابلة على أنه لا تلزمه إلا كفارة واحدة .
قال في "كشاف القناع" (6/244): مبينا الحالة الأولى: " ( ومن كرر يمينا موجبها واحد على فعل واحد كقوله والله لا أكلت والله لا أكلت ) فكفارة واحدة لأن سببها واحد والظاهر أنه أراد التأكيد ".
ثم قال مبينا الحالة الثانية:" ( أو كررها ) أي الأيمان ( على أفعال مختلفة، قبل التكفير، كقوله: والله لا أكلت، والله لا شربت، والله لا لبست ) ( فـ ) عليه ( كفارة واحدة )؛ لأنها كفارات من جنس، فتداخلت، كالحدود. ( ومثله الحلف بنذور مكررة )؛ فتجزئه كفارة واحدة " انتهى .
والراجح ما ذهب إليه الجمهور؛ لأنها أيمان على أفعال مختلفة ، لا يحنث في إحداهن بالحنث في الأخرى، فلم تتداخل.
وينظر "المغني" (9/406).
والله أعلم.
تعليق