الحمد لله.
إذا تم البيع ولم يكن هناك خيار للعاقدين أو أحدهما، فقد لزم، ولا يملك أحدهما الفسخ حينئذ إلا بالتراضي.
والفسخ بالتراضي يسمى الإقالة، وهي مستحبة؛ لما روى أبو داود (3460)، وابن ماجه (2199) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
والراجح أنها تجوز بأقل أو أكثر من الثمن.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وكذلك ـ أيضاً ـ لو أن البائع طلب من المشتري الإقالة فقال: أقيلك على أن تعطيني كذا وكذا زيادة على الثمن، فإنه لا يجوز؛ لأنها تشبه العينة، حيث زيد على الثمن.
ولكن القول الراجح: أنها تجوز بأقل وأكثر إذا كان من جنس الثمن؛ لأن محذور الربا في هذا بعيد، فليست كمسألة العينة؛ لأن مسألة العينة محذور الربا فيها قريب، أما هذه فبعيد، وقد قال ابن رجب ـ رحمه الله ـ في القواعد : إن للإمام أحمد رواية تدل على جواز ذلك، حيث استدل ببيع العربون الوارد عن عمر رضي الله عنه، وقال: الإقالة بعوض مثله.
وعليه فيكون هناك رواية أومأ إليها الإمام أحمد بجواز الزيادة على الثمن والنقص منه.
وهذا هو القول الراجح، وهو الذي عليه عمل الناس، وهو من مصلحة الجميع؛ وذلك لأن البائع إذا أقال المشتري، فإن الناس سوف يتكلمون ويقولون: لولا أن السلعة فيها عيب ما ردها المشتري، فيأخذ البائع عوضاً زائداً على الثمن من أجل جبر هذا النقص" انتهى من "الشرح الممتع" (8/390).
وقال الشيخ أبو عمر الدبيان: " الذي أميل إليه أن الإقالة فسخ، بشرط أن تكون بمثل الثمن الأول، فإن كانت بأكثر منه، أو بأقل، أو بثمن مختلف عن الثمن الأول فإنها بيع من البيوع، يشترط فيها ما يشترط في البيع.
فإن قيل: كيف تعتبر فسخًا في حال، وبيعًا في حال، وحقيقتها واحدة؟
فالجواب:
أن الأصل أنها فسخ لما كان ذلك يؤدي إلى رفع العقد، ورجوع المبيع إلى البائع، والثمن إلى المشتري، ولكن لما اختلف الحال، بأن كان الثمن بأكثر من الثمن الأول علمنا أن العاقدين لم يريدا من لفظ الإقالة الفسخ، وإنما أرادا، والله أعلم: عقدًا آخر، ولكنهما استعملا لفظ الإقالة، والعبرة في العقود بالمعاني، فلو قال: وهبتك هذا بعشرة كان بيعًا، وإن استعمل لفظ الهبة؛ لأنه حين ذكر العوض خرج من حقيقة الهبة إلى حقيقة المعاوضة، والله أعلم" انتهى من "المعاملات المالية أصالة ومعاصرة" (7/421).
فأخذك زيادة على الثمن، يعتبر بيعا جديدا، ولا حرج فيه.
وتكييف الإقالة على أنها بيع جديد لا فسخ، هو مذهب المالكية.
وينظر: "المعاملات المالية أصالة ومعاصرة" (7/417).
فلا حرج أن تبيعه الجهاز ب 200 ألف ليرة، وقد اشتريته منه ب 150 ألفا، حتى لو كنت لم تُقبضه الثمن؛ لبعد شبهة الربا.
وبيع العينة المحرم: أن يبيع سلعة بثمن مؤجل، ثم يشتريها بثمن أقل.
أما إن اشتراها بثمن مساوٍ أو أكثر، أو اشتراها بعد قبض الثمن، فليست عينة.
قال الحجاوي في "الإقناع" (2/76): "ومن باع سلعة بنسيئة، أو بثمن لم يقبضه: صح، وحرم عليه شراؤها، ولم يصح؛ نصا [أي: نص عليه الإمام أحمد]، بأقل مما باعها، إلا أن تتغير صفتها بما ينقصها، أو يقبض ثمنها" انتهى باختصار.
والله أعلم.
تعليق