الحمد لله.
أولا:
الحديث باللفظ المذكور أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (4/ 328) قال :
أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِلَالٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ :
خَرَجْتُ يَوْمًا مِنْ بَيْتِي إِلَى الْمَسْجِدِ لَمْ يُخْرِجْنِي إِلَّا الْجُوعُ ، فَوَجَدْتُ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم . فَقَالُوا : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا أَخْرَجَكَ هَذِهِ السَّاعَةَ ؟
فَقُلْتُ : مَا أَخْرَجَنِي إِلَّا الْجُوعُ .
فَقَالُوا : نَحْنُ وَاللَّهِ مَا أَخْرَجَنَا إِلَّا الْجُوعُ .
فَقُمْنَا ، فَدَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : ( مَا جَاءَ بِكُمْ هَذِهِ السَّاعَةَ ) ؟
فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ جَاءَ بِنَا الْجُوعُ .
قَالَ : فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم بِطَبَقٍ فِيهِ تَمْرٌ ، فَأَعْطَى كُلَّ رَجُلٍ مِنَّا تَمْرَتَيْنِ ، فَقَالَ: ( كُلُوا هَاتَيْنِ التَّمْرَتَيْنِ وَاشْرَبُوا عَلَيْهِمَا مِنَ الْمَاءِ ، فَإِنَّهُمَا سَتَجْزِيَانِكُمْ يَوْمَكُمْ هَذَا ).
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَأَكَلْتُ تَمْرَةً وَجَعَلْتُ تَمْرَةً فِي حُجْرَتِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم : ( يَا أَبَا هُرَيْرَةَ لِمَ رَفَعْتَ هَذِهِ التَّمْرَةَ ) ؟
فَقُلْتُ : رَفَعْتُهَا لِأُمِّي .
فَقَالَ: ( كُلَّهَا فَإِنَّا سَنُعْطِيكَ لَهَا تَمْرَتَيْنِ ) ، فَأَكَلْتُهَا فَأَعْطَانِي لَهَا تَمْرَتَيْنِ .
وأخرجه من طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (67 /322).
وهو حديث رجال إسناده ثقات، سوى هلال بن أبي هلال المدني ، والد محمد بن هلال ، فهو مجهول الحال عند أحمد وابن أبي حاتم والذهبي ، ووثقه ابن حبان .
قال عبد اللَّه بن أحمد : سئل أبي عن محمد بن هلال المدني ؟ قال : " ليس به بأس ".
قيل : أبوه ؟ قال : " لا أعرفه " . انتهى من "العلل" رواية عبد اللَّه (1476).
وَقَال أَبُو حاتم الرازي في ترجمة محمد بن هلال : " صالح ، وأبوه ليس بمشهور ". انتهى من "تهذيب الكمال" (26/ 570).
وقال الذهبي: " لا يعرف " انتهى من "تهذيب التهذيب" (11/ 86).
وذكره ابنُ حِبَّان في "الثقات" (5 /503) .
وللحديث شاهد لمعناه أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه" (2038) عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ :
خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ - أَوْ لَيْلَةٍ - فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ، فَقَالَ : ( مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ ؟ )
قَالَا : الْجُوعُ يَا رَسُولَ اللهِ !
قَالَ : ( وَأَنَا ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا ، قُومُوا ) ، فَقَامُوا مَعَهُ ، فَأَتَى رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ فَإِذَا هُوَ لَيْسَ فِي بَيْتِهِ ، فَلَمَّا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ ، قَالَتْ : مَرْحَبًا وَأَهْلًا ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَيْنَ فُلَانٌ ؟ )
قَالَتْ: ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا مِنَ الْمَاءِ ، إِذْ جَاءَ الْأَنْصَارِيُّ ، فَنَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا أَحَدٌ الْيَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيَافًا مِنِّي .
قَالَ: فَانْطَلَقَ ، فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ ، فَقَالَ : كُلُوا مِنْ هَذِهِ ، وَأَخَذَ الْمُدْيَةَ.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِيَّاكَ ، وَالْحَلُوبَ ) ، فَذَبَحَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا مِنَ الشَّاةِ وَمِنْ ذَلِكَ الْعِذْقِ وَشَرِبُوا.
فَلَمَّا أَنْ شَبِعُوا وَرَوُوا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ : ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الْجُوعُ ، ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هَذَا النَّعِيمُ ) .
وعَنْ مُحَمَّد بنِ سيرين، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَشَّقَانِ مِنْ كَتَّانٍ، فَتَمَخَّطَ، فَقَالَ: ( بَخْ بَخْ، أَبُو هُرَيْرَةَ يَتَمَخَّطُ فِي الكَتَّانِ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنِّي لَأَخِرُّ فِيمَا بَيْنَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ مَغْشِيًّا عَلَيَّ، فَيَجِيءُ الجَائِي فَيَضَعْ رِجْلَهُ عَلَى عُنُقِي، وَيُرَى أَنِّي مَجْنُونٌ، وَمَا بِي مِنْ جُنُونٍ مَا بِي إِلَّا الجُوعُ ). رواه البخاري (7324).
ثانيًا:
وفي الحديث فوائد عظيمة ، منها :
1- بيان ما كان عليه الصحابة بل خيارهم رضوان الله عليهم من الفقر والحاجة ، مع ما كانوا عليه من الطاعة والعبادة والزهد والورع والتقوى ، ولم يكن يصدر من أحد منهم شكوى ولا تضجر من ذلك مثلما يصدر من كثير من الناس في هذا الزمان .
وينظر لمزيد من الفائدة جواب السؤال رقم : (260366).
2- في الحديث أيضًا جواز ذكر الإنسان ما يناله من ألم ونحوه ، لا على سبيل التشكي وعدم الرضا ، بل للتسلية والتصبر .
3- وفيه استحباب إكرام الضيف وإظهار السرور بقدومه ، كما في قول الأنصاري : " الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا أَحَدٌ الْيَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيَافًا مِنِّي " .
4- وفيه شدة برِّ أبي هريرة رضي الله عنه بأمه ، وحرصه على إطعامها من التمر ، عندما ادخر لها تمرة من التمرتين.
5- وفيه إكرام النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة لما علم من حرصه على برِّ أمه ، إذ أعطاه تمرتين لأمه .
6- وفيه جواز سماع كلام الأجنبية ومراجعتها الكلام للحاجة .
7- وفيه استحباب المبادرة إلى الضيف بما تيسر، وإكرامه بعده بطعام يصنعه له ، لا سيما إن غلب على ظنه حاجته في الحال إلى الطعام ، وقد يكون شديد الحاجة إلى التعجيل ، وقد يشق عليه انتظار ما يصنع له لاستعجاله للانصراف .
والله أعلم.
تعليق