السبت 22 جمادى الأولى 1446 - 23 نوفمبر 2024
العربية

ما هي الأعمال الصالحة التي يخرج بها العبد عن حدّ الغفلة؟

403085

تاريخ النشر : 13-04-2023

المشاهدات : 5199

السؤال

ما هي الأشياء التي يجب على المسلم فعلها كي لا يكون مقصراً، ويكتب من الغافلين، يعني هل يوجد حد معين؟

الجواب

الحمد لله.

أعظم ما ينجي العبد من الغفلات، أن يكون ملازما لذكر الله تعالى، في أحواله كلها. قال الله تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ) الأعراف/205.

قال الشنقيطي، رحمه الله: "وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ معلوم أنه صلى الله عليه وسلم لا يغفل عن ذكر ربه ولكنه يُؤمر ويُنهى ليُشرَّع لأُمته على لسانه.

وفي هذه الآية الكريمة نهي للمسلمين عن الغفلة عن ذكر الله (جل وعلا)، فعلينا معاشر المسلمين ألا نغفل عن ذكر الله، وأن نذكر الله في أنفسنا تضرعًا وخيفة، وأن نذكره بقولنا دون الجهر مِنَ القَوْل، أول النهار وآخره، وفي كل وقت؛ لأن الله أثنى على عباده بالذكر عليه في كل حال" انتهى من "العذب النمير" (4/464).

وقال السعدي، رحمه الله: "الذكر لله تعالى يكون بالقلب، ويكون باللسان، ويكون بهما، وهو أكمل أنواع الذكر وأحواله، فأمر الله عبده ورسوله محمدا أصلا وغيره تبعا، بذكر ربه في نفسه، أي: مخلصا خاليا.

تَضَرُّعًا أي: متضرعا بلسانك، مكررا لأنواع الذكر، وَخِيفَةً في قلبك بأن تكون خائفا من الله، وَجِلَ القلب منه، خوفا أن يكون عملك غير مقبول، وعلامة الخوف أن يسعى ويجتهد في تكميل العمل وإصلاحه، والنصح به.

وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ أي: كن متوسطا، لا تجهر بصلاتك، ولا تخافت بها، وابتغ بين ذلك سبيلا. بِالْغُدُوِّ أول النهار وَالآصَالِ آخره، وهذان الوقتان لذكر الله فيهما مزية وفضيلة على غيرهما.

وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، فإنهم حرموا خير الدنيا والآخرة، وأعرضوا عمن كل السعادة والفوز في ذكره وعبوديته، وأقبلوا على من كل الشقاوة والخيبة في الاشتغال به، وهذه من الآداب التي ينبغي للعبد أن يراعيها حق رعايتها، وهي الإكثار من ذكر الله آناء الليل والنهار، خصوصا طَرَفَيِ النهار، مخلصا خاشعا متضرعا، متذللا ساكنا، وتواطئا عليه قلبه ولسانه، بأدب ووقار، وإقبال على الدعاء والذكر، وإحضار له بقلبه وعدم غفلة، فإن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه" انتهى من "تفسير السعدي" (314).

والحاصل:

أن الغفلة ترتفع بحصول الذكر مع الخشوع والخضوع، فهو الذكر الذي يجتمع فيه اللسان والقلب ويورث العمل.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" وضدّ الغفلة التذكر، والتذكر لآياته سبحانه وتعالى: يُوجب العلم بها، وحضورها في القلب، وهو موجب لاتباعها " انتهى من "النبوات" (2/659).

وهذا الذكر الذي تزول به الغفلة وأمر الله به في الغدو والآصال، يشمل الذكر في الصلاة وخارجها.

قال أبو القاسم ابن جزي رحمه الله تعالى:

" (بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) أي في الصباح والعشي... قيل: المراد صلاة الصبح والعصر، وقيل: فرض الخمس، والأظهر الإطلاق " انتهى من "التسهيل" (1/336).

فأقل ما على المسلم أن يأتي به من الذكر الذي يزيل عنه وصف الغفلة؛ أن يأتي بالصلوات الخمس في تضرع وخشوع، وخوف وطمع، فمن قام بهذا فقد حقق ذكر الله تعالى الذي يزيل عنه تمام الغفلة، ويورثه تذكر الله تعالى في غالب أحواله فلا يقدم على محرم ولا يقصّر في واجب.

قال الله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) العنكبوت/45.

وحرصه على الصلوات الخمس، وعنايته بها: من شأنه أن يعينه على أن يحافظ يوميا على قدر يومي من تلاوة القرآن الكريم في الصلاة، فيتناوله حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغَافِلِينَ... ) رواه أبو داود (1398).

وللأهمية طالع جواب السؤال رقم: (72591) حول هذا الحديث.

فمن ضيع شيئا منها وأخل ببعض واجباتها، فقد وقع في الغفلة المتوعد عليها بالعذاب، كما في قول الله تعالى: ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ) الماعون/4 – 5.

وقد سُئِل الشيخ ابن الصَّلاح رحمه الله تعالى عن مقدار الذكر الذي يلتحق به المؤمن بزمرة الذّاكرين اللَّه كثيرا؟

فقال:

" إذا واظبَ على الأذكار المأثورة المثبتة صباحا ومساء، وفي الأوقات والأحوال المختلفة، في ليل العبد ونهاره، وهي مُبيّنة في كتاب: "عمل اليوم والليلة"، كان من الذّاكرِين اللَّهَ تبارك وتعالى كثيرا " انتهى من "فتاوى ابن الصلاح" (ص 150).

ثمّ كلما زاد المسلم في الذكر المستحب زادت مسابقته وزاد بعده عن الغفلة، وغاية ذلك أن يتشبه بالملائكة الذين يذكرون الله تعالى في جميع أحوالهم، كما أشار إلى هذا قول الله تعالى:

( وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ، إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ) الأعراف /205 - 206.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" المراد الحض على كثرة الذكر من العباد بالغدو والآصال، لئلا يكونوا من الغافلين؛ ولهذا مدح الملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون، فقال: ( إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ) وإنما ذكرهم بهذا ليتشبه بهم في كثرة طاعتهم وعبادتهم " انتهى من "تفسير ابن كثير" (3 / 539).

وينظر للفائدة.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب