الحمد لله.
هذا الخبر رواه ابن سعد في "الطبقات" (1/129)، قال:
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَغَيْرِهِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "سَكَنَ يَهُودِيٌّ بِمَكَّةَ يَبِيعُ بِهَا تِجَارَاتٍ، فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ وُلِدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قُرَيْشٍ: هَلْ كَانَ فِيكُمْ مِنْ مَوْلُودٍ هَذِهِ اللَّيْلَةَ؟ قَالُوا: لا نَعْلَمُهُ. قَالَ: أَخْطَأْتُ وَاللَّهِ حَيْثُ كُنْتُ أَكْرَهُ. انْظُرُوا يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ وَأَحْصُوا مَا أَقُولُ لَكُمْ: وُلِدَ اللَّيْلَةَ نَبِيُّ هَذِهِ الأُمَّةِ أَحْمَدُ الآخِرُ، فَإِنْ أَخْطَأَكُمْ فَبِفِلَسْطِينَ؛ بِهِ شَامَةٌ بَيْنَ كَتِفَيْهِ سَوْدَاءُ صَفْرَاءُ فِيهَا شَعَرَاتٌ مُتَوَاتِرَاتٌ.
فَتَصَدَّعَ الْقَوْمُ مِنْ مَجَالِسِهِمْ وَهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْ حَدِيثِهِ. فَلَمَّا صَارُوا فِي مَنَازِلِهِمْ ذَكَرُوا لأَهَالِيهِمْ، فَقِيلَ لِبَعْضِهِمْ: وُلِدَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ اللَّيْلَةَ غُلامٌ فَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا.
فَالْتَقَوْا بَعْدُ مِنْ يَوْمِهِمْ فَأَتَوْا الْيَهُودِيَّ فِي مَنْزِلِهِ فَقَالُوا: أَعَلِمْتَ أَنَّهُ وُلِدَ فِينَا مَوْلُودٌ؟ قَالَ: أَبْعَدَ خَبَرِي أَمْ قَبْلَهُ؟ قَالُوا: قَبْلَهُ، وَاسْمُهُ أحمد. قال: فاذهبوا بنا إليه.
فخرجوا معه حتى دخلوا على أمه. فأخرجته إليهم. فرأى الشَّامَةَ فِي ظَهْرِهِ. فَغُشِيَ عَلَى الْيَهُودِيِّ ثُمَّ أفاق. فقالوا: وَيْلَكَ! مَا لَكَ؟ قَالَ: ذَهَبَتِ النُّبُوَّةُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَخَرَجَ الْكِتَابُ مِنْ أَيْدِيهِمْ. وَهَذَا مَكْتُوبٌ يَقْتُلُهُمْ وَيَبزُّ أَخْبَارَهُمْ. فَازَتِ الْعَرَبُ بِالنِّبُوَّةِ.
أَفَرحْتُمْ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ؟ أَمَا وَاللَّهِ لَيَسْطَوَنَّ بِكُمْ سَطْوَةً يَخْرُجُ نَبَؤُهَا مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ".
لكن الرواة عن هشام بن عروة، أبو عبيدة هذا وغيره مجهولون.
ورواه الحاكم في "المستدرك" (2/ 601–602)، من طريق هشام بن عروة أيضا، لكن الراوي عنه معروف ومن أئمة السيرة وهو ابن إسحاق، قال الحاكم رحمه الله تعالى: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْفَارِسِيُّ، حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حدثنا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكِنَانِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: كَانَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَتْ: ( كَانَ يَهُودِيٌّ قَدْ سَكَنَ مَكَّةَ يَتَّجِرُ بِهَا فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي مَجْلِسٍ مِنْ قُرَيْشٍ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَلْ وُلِدَ فِيكُمُ اللَّيْلَةَ مَوْلُودٌ؟ ... ) فذكر الخبر، ثم قال: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ".
وحسّنه الحافظ ابن حجر، حيث قال رحمه الله تعالى:
" وروى يعقوب بن سفيان بإسناد حسن عن عائشة، قالت: كان يهودي قد سكن مكة فلما كانت الليلة التي ولد فيها النبي صلى الله عليه وسلم قال يا معشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود ... " انتهى من "فتح الباري" (6/583).
وتعقب الذهبي الحاكم نافيا لصحته؛ لأن يحيى الكناني الراوي عن ابن إسحاق مجهول الحال، ذكره البخاري في "التاريخ الكبير" (8/297)، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (9/175)، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا.
وقال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى:
" يحيى بن على بن عبد الحميد بن يسار الكنانى مديني، كان على شرطة المدينة، ادعى انه سمع محمد بن إسحاق روى عنه ابنه أبو غسان محمد بن يحيى سمعت أبي يقول ذلك " انتهى.
وفيه أيضا محمد بن إسحاق وهو موصوف بالتدليس.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي المدني، صاحب المغازي، صدوق، مشهور بالتدليس عن الضعفاء والمجهولين وعن شر منهم، وصفه بذلك أحمد والدارقطني وغيرهما " انتهى. "طبقات المدلسين" (ص 51).
والطبقة الرابعة عند الحافظ ابن حجر، هي:
" الرابعة: من اتفق على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم، إلا بما صرحوا فيه بالسماع لكثرة تدليسهم على الضعفاء والمجاهيل " انتهى. "طبقات المدلسين" (ص 14).
وقال الحافظ ابن حجر أيضا:
" ما ينفرد به – أي ابن إسحاق - وإن لم يبلغ درجة الصحيح، فهو في درجة الحسن إذا صرح بالتحديث " انتهى من "فتح الباري" (11/163).
وهنا في هذا الخبر، لم يصرح بالسماع وبالتحديث من هشام، فلم يقل مثلا: حدثنا أو سمعت هشاما، بل قال: "كَانَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ يُحَدِّثُ ".
فالحاصل؛ أن إسناد الخبر ليس بصحيح.
والله أعلم.
تعليق