السبت 22 جمادى الأولى 1446 - 23 نوفمبر 2024
العربية

هل يجوز إجراء عملية جراحية مع احتمال الوفاة؟

404780

تاريخ النشر : 02-04-2023

المشاهدات : 4124

السؤال

ابنتي مريضة بالشلل الدماغي، وعمرها 14 سنة، تحتاج عملية لتجليس العامود الفقري؛ لأنه مائل 90 درجة، وإن نجحت العملية فستكون حالتها جيدة، لكن الأطباء قالوا: هناك احتمال أنها لا تستطيع تحمل العملية، وقد تفارق الحياة، وإذا تركناها بدون عملية فخلال 4 -5 سنوات سيزداد انحناء العامود الفقري، مما يسؤدي للوفاة. وسؤالي: في حال اتخذت قرار إجراء العملية وحدثت الوفاة فهل خيارنا حرام؟ وماذا اختار؟

الجواب

الحمد لله.

إذا غلب على ظن الأطباء الثقات نجاح العملية وسلامة المريض جاز إجراؤها، فإن حصلت وفاة لم يكن إثم على الفتاة ولا على أهلها.

قال الدكتور الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي: " يشترط لجواز فعل الجراحة أن يغلب على ظن الطبيب الجراح نجاحها، بمعنى أن تكون نسبة نجاح العملية، ونجاة المريض من أخطارها، أكبر من نسبة عدم نجاحها، وهلاكه.

وبناء على ذلك:

فإنه إذا غلب على ظنه هلاك المريض بسببها: فإنه لا يجوز له فعلها.

قال الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله: " .. وأما ما لا يمكن تحصيل مصلحته إلا بإفساد بعضه، كقطع اليد المتآكلة حفظًا للروح، إذا كان الغالب السلامة: فإنه يجوز قطعها" اهـ.

فبين -رحمه الله- أن جواز فعل القطع: مقيد بحصول غلبة الظن بسلامة المريض.

ومفهوم هذا الشرط المذكور: أنه إذا لم تحصل تلك الغلبة، أنه لا يجوز له فعل القطع.

وفي حكم القطع: بقية أنواع الجراحة، لاتحاد العلة، وهي المحافظة على الروح وسلامتها.

والجراحات الطبية تختلف نسب نجاحها بحسب اختلاف درجات الخطورة الموجودة فيها، وبحسب اختلاف الجراحين أنفسهم، من حيث المهارة وطول التجربة، فالجراحة المتعلقة بباطن الإنسان وداخل جوفه، أشد خطورة في غالب صورها من الجراحة المتعلقة بظاهره.

ثم الجراحة الجوفية تختلف نسبة الخطورة فيها، بحسب أهمية العضو المصاب، فجراحة القلب، والأعصاب والدماغ، أشد خطورة من غيرها في الغالب.

والشريعة الإسلامية: لا تبيح فعل الجراحة التي يغلب على ظن الطبيب هلاك المريض بسببها؛ لأن ذلك مخالف لأصول الشرع التي راعت حفظ النفس، واعتبرته من الضروريات، ونهت عن تعريضها للهلاك والتلف، كما أشار الحق سبحانه وتعالى إلى ذلك بقوله: وَلا تُلقُوا بأيْديكُمْ إِلَى التَهْلُكَة ... ، وقوله سبحانه: وَلا تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ إِن اللَّهَ كَانَ بكُمْ رَحيمًا.

وإقدام الطبيب على فعل الجَراحةَ التي يقطع بهلاك المريض بسببها، أو يغلب على ظنه ذلك: يعتبر ضربًا من الفساد في الأرض الذي حرمه الله سبحانه وتعالى، ونهى عنه بقوله جل شأنه: وَلا تُفْسدُوا فِي الأرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ... ، وقوله في معرض الذم: ... وَإِذَا تَولى سَعَى فِي الأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الفَسَادَ؛ فلا يجوز له فعله.

ومن ثم قال الإمام البغوي -رحمه الله-: "والعلاج إذا كان فيه الخطر العظيم: كان محظورًا" اهـ.

ويعتبر الطبيب الجراح هو المرجع في الحكم بغلبة الظن بسلامة المريض من أخطار الجراحة، أو عدمها؛ فهو الذي يقوم بالنظر في نوعية الجراحة المقررة، ودرجة خطورتها، وقدرة تحمل المريض لأخطارها، ثم بعد ذلك يحكم بما يؤديه إليه نظره واجتهاده.

وإنما اعتبر الشرع غلبة الظن بسلامة المريض؛ لأنها في حكم اليقين، فالشيء الغالب، كالمحقق حكمًا.

ومن ثم؛ فإنه لا ينبغي للطبيب الجراح أن يلتفت إلى النسبة الضعيفة التي تقابل النسبة الراجحة، لأنها لا تقوى على معارضتها، فلا يلتفت إليها. ولو ذهبنا نعتبر هذه النسب الضعيفة لتعطلت مصالح الدارين، ولما أمكننا درء مفاسدهما كما قرر ذلك الإمام العز بن عبد السلام -رحمه الله- في قواعده" انتهى من "أحكام الجراحة الطبية" ص117-119.

وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (25/62): " أنا شاب أبلغ من العمر ثماني عشرة سنة، وقبل أربع سنوات حدث لي بروز في الثديين ، وكان مصاحبا لذلك البروز بعض الألم ، وبعد فترة زال الألم والحمد لله وبقي البروز على حاله ، وبروز الثديين هذا واضح حتى من تحت الملابس ، وقد سألت الطبيب المختص عن ذلك فقال : إنه يمكن إزالة هذا البروز بسهولة ، وذلك عن طريق عملية جراحية تجميلية ، فهل يجوز إجراء مثل هذه العملية ؟ علما أن هذا البروز يسبب لي الإحراج أمام الآخرين .

الجواب : يجوز لك إجراء عملية التجميل لإزالة هذا البروز، إذا غلب على الظن نجاح العملية، ولم ينشأ ضرر يزيد على فائدتها أو يساويه.

وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد الله بن غديان ... عبد الله بن قعود " انتهى .

وجاء فيها (25/112) : " والدي مريض بالكلى، وقرر الأطباء أن كليتيه الاثنتين غير صالحتين، وهو يقوم بمراجعة المستشفي ثلاث مرات في الأسبوع لعمل غسيل للكلى، وهذا عمل متعب له، قال الأطباء بأن هذا سيستمر معه طول حياته, أو تقومون بالتبرع له بكلية من أحد أفراد العائلة، أنا مستعد لذلك، ولكن يهمني أن أعرف إذا كان ذلك جائزا أم لا؟ سمعنا بأن هناك فتوى بجواز التبرع بعد الموت بأي عضو من الجسم، فهل يجوز ذلك في حال الحياة؟ وهل يجوز شراء كلية رجل كافر حي من الهند مثلا؟ أجيبونا مشكورين مأجورين إن شاء الله.

الجواب : يجوز لك أن تتبرع لأبيك بإحدى كليتيك، إذا قرر الأطباء الثقات أنه لا ضرر عليك من نقلها من جسمك إلى جسم والدك ، وأنه يغلب على الظن من الأطباء نجاح العملية " انتهى.

وبناء على ذلك؛ فاعرض الأمر على عدد من أطباء الجراحة الثقات؛ فإن قالوا إن نسبة نجاح العملية كبيرة، وأن احتمال الوفاة بسبب هذه الجراحة: قليل؛ جاز إجراؤها.

وإن قالوا: إن الوفاة محتملة بنسبة كبيرة: لم يجز إجراؤها.

ونسأل الله تعالى الكريم الرحيم المنان أن يشفي ابنتك شفاء لا يغادر سقما.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب