الحمد لله.
المشهور في تعريف الصحابي، أنه: كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مسلما ومات على الإسلام.
راجع لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم: (158077).
فعلى هذا من حيث العموم هناك طبقتان من الصحابة:
الطبقة الأولى:
من صحب النبي صلى الله عليه وسلم زمنًا متعلمًا منه متأدبًا على يديه، كالمهاجرين والأنصار الذين كان مقامهم المدينة النبوية ؛ فهؤلاء يندر جدا أن يرتد أحدهم .
بل هؤلاء على ما ورد من صفتهم في قصة أبي سفيان قبل إسلامه مع هرقل ملك الروم، فقد سأله هرقل : (فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فقال أبو سفيان : بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ.
قَالَ: أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ قال : بَلْ يَزِيدُونَ.
قَالَ: فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ قال : لاَ. ...
فقال هرقل : سَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ، فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ القُلُوبَ...) رواه البخاري (7)، ومسلم (1773).
ولا يكاد يذكر أحد ارتد من هؤلاء إلا عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وقد عاد إلى الإسلام وحسن إسلامه ، وكان له أثر في الفتوحات الإسلامية بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .
روى أبو داود (4358) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:" كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَزَلَّهُ الشَّيْطَانُ، فَلَحِقَ بِالْكُفَّارِ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْتَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَاسْتَجَارَ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَأَجَارَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
وروى أيضا أبو داود (4359)، والنسائي (4067) عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: " لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ، اخْتَبَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَجَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَايِعْ عَبْدَ اللَّهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلَاثًا، كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى، فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ، فَيَقْتُلُهُ؟ فَقَالُوا: مَا نَدْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فِي نَفْسِكَ، أَلَّا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ؟ قَالَ: إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ".
وحسن الأول وصحح الثاني الشيخ الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (3/ 43-44).
الطبقة الثانية:
وهم من وفد على النبي صلى الله عليه وسلم ورآه وأسلم، لكن لم يطل مقامه بالمدينة، ولم تطل صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم حتى يتفقه في الدين، ككثير من الأعراب الذين وفدوا إلى المدينة بعد صلح الحديبية وفتح مكة.
فمثل هؤلاء ارتد منهم جملة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ورجع بعضهم بعد أن قاتلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وليس لنا علم بعددهم ولا بأسمائهم كلهم، ولكنهم في الجملة قليل، إذا ما قورنوا بعدد الصحابة رضي الله عنهم ، والقليل منهم هو من استمر على ردته، ومات عليها.
ولذلك ورد في صحيح البخاري (4625)، عن ابن عباس ، وفي مسلم (6136) عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم ينادي على هؤلاء يوم القيامة حين يمنعون من ورود الحوض، فيقول صلى الله عليه وسلم : (أصيحابي) هكذا بالتصغير، إشارة إلى قلة عددهم.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (8/286):
"(أُصَيْحَابِي) بِالتَّصْغِيرِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى قِلَّةِ عَدَدِ مَنْ وَقَعَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا وَقَعَ لِبَعْضِ جُفَاةِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يَقَعْ مِنْ أحد الصَّحَابَة الْمَشْهُورين" انتهى.
ومن هؤلاء الذين ارتدوا وعادوا إلى الإسلام: الأشعث بن قيس.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" الأشعث بن قيس بن معدي كرب...
له صحبة، ورواية...
قال ابن الكلبي: وفد الأشعث في سبعين من كندة على النبي صلى الله عليه وسلم...
وعن إبراهيم النخعي، قال:
ارتد الأشعث في ناس من كندة، فحوصر، وأخذ بالأمان، فأخذ الأمان لسبعين، ولم يأخذ لنفسه، فأتي به الصديق، فقال: إنا قاتلوك، لا أمان لك.
فقال: تمن علي وأسلم؟
قال: ففعل، وزوجه أخته.
زاد غيره: فقال لأبي بكر: زوجني أختك.
فزوجه فروة بنت أبي قحافة.
رواه أبو عبيد في "الأموال"، فلعل أباها فوض النكاح إلى أبي بكر" انتهى. "سير أعلام النبلاء" (2/ 37–39).
والله أعلم.
تعليق