هل صح أن إبليس يطمع يوم القيامة في رحمة الله؟

الحمد لله.

هذا الخبر بهذه الصيغة هو مما تتداوله بعض كتب أهل البدع، وأخبارهم لا يلتفت إليها؛ لأنهم لا يعتنون ولا يراعون شروط الصحة في الأخبار، بل ويتساهلون في الكذب.

لكن ورد بلفظ آخر عند الطبراني في "المعجم الكبير" (3/186)، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حدثنا سَعْدٌ أَبُو غَيْلَانَ الشَّيْبَانِيُّ:

وفي "المعجم الأوسط" (5/250)، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ السَّقَطِيُّ قَالَ: حدثنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ أَبِي الْمُسَاوِرِ:

كلاهما: عَنْ حَمَّادٍ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُدْخِلَنَّ اللَّهُ الْجَنَّةَ الْفَاجِرَ فِي دِينِهِ، الْأَحْمَقَ فِي مَعِيشَتِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُدْخِلَنَّ اللَّهُ الْجَنَّةَ مُؤْمِنًا قَدْ مَحَشَتْهُ النَّارُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَغْفِرَنَّ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَغْفِرَةً لَا تَخْطُرُ عَلَى قَلْبِ بِشْرٍ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَغْفِرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَغْفِرَةً يَتَطَاوَلُ لَهَا إِبْلِيسُ رَجَاءَ أَنْ تُصِيبَهُ).

ثم قال الطبراني: " لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ حَمَّادٍ إِلَّا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ أَبِي الْمُسَاوِرِ، وَسَعْدٌ أَبُو غَيْلَانَ " انتهى.

ورواه ابن أبي الدنيا في "حسن الظن بالله" (ص 99) قال: حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَسَدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ أَبِي الْمُسَاوِرِ، عَنْ حَمَّادٍ.

ورواه البيهقي في "البعث والنشور" (ص 82)، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، حدثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَنا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ أَبِي الْمُسَاوِرِ، عَنْ حَمَّادٍ.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى عن إسناد "المعجم الكبير":

" هذا حديث غريب جدا، وسعد هذا لا أعرفه " انتهى من "تفسير ابن كثير" (3/482).

لكن قال الهيثمي رحمه الله تعالى:

" رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط"، وزاد فيه: (والذي نفسي بيده، ليغفرن الله يوم القيامة مغفرة لا تخطر على قلب بشر). وفي إسناد "الكبير" سعد بن طالب أبو غيلان، وثقه أبو زرعة، وابن حبان، وفيه ضعف، وبقية رجال "الكبير" ثقات " انتهى من "مجمع الزوائد" (10/ 216).

لكن أبا زرعة لم يصرح بتوثيقه، بل قال فيه: "لا بأس به ". كما في "الجرح والتعديل" (5/87).

وهذا ممن ينظر في حديثه، وذكره الذهبي في "المغني في الضعفاء" (1/254)، فقال:

" سعد بن طالب، عن حماد. قال أبو حاتم: في حديثه ضعف " انتهى.

فسعد هذا متكلم فيه، ولا يوجد متابع له في هذا الخبر إلا عبد الأعلى بن أبي المساور، وهو ضعيف جدا.

قال ابن عدي رحمه الله تعالى:

" وعامة أحاديثه مما لا يتابعه عليها الثقات " انتهى من "الكامل" (6/548).

وقال الذهبي رحمه الله تعالى:

" عبد الأعلى بن أبي المساور الكوفي عن الشعبي، ضعّفوه جدا " انتهى من "المغني في الضعفاء" (1/365).

وشيخهما حماد بن أبي سليمان مع إمامته في الفقه وصدقه، إلا أنه في الحديث متكلّم في ضبطه.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

" حماد بن مسلم الفقيه ابن ابي سليمان، تابعي كبير: وثقه ابن معين وغيره، وقال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال ابن سعد، والدارقطني في سننه: ضعيف " انتهى من "المغني" (1/190).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" حماد بن أبي سليمان مسلم الأشعري مولاهم أبو إسماعيل الكوفي: فقيه، صدوق له أوهام " انتهى من "تقريب التهذيب" (ص178).

فالحاصل؛ أن إسناد هذا الخبر ضعيف.

والله أعلم.