اذا ترك المسجد القريب لعذر وذهب لمسجد بعيد راكبا، فهل يأخذ أجر الماشي؟

السؤال: 412626

من لم يستطع المشي للمسجد لعذر هل يأخذ أجر الماشي؟
وكذلك بعض المساجد في حيينا تنتشر فيهم العقائد الفاسد وغيرها، لذلك كثيرا ما تكون خطب الجمعة مليئة المفاسد وقد يفتتح احدهم خطبته ببعض البدع، ويوجد مسجد ولله الحمد على منهج اهل السنة والجماعة لكن المشكلة انه يبعد عني ٣.٧ كم ويشق علي جدا ان اذهب مشيا واريد ان ادرك الاجر العظيم المترتب على المشي الى الجمعة.
فكيف يمكنني التوفيق بين اجر المشي الى المسجد وان اشهد الجمعة في ذلك المسجد؟
وهل اذا ركنت السيارة في مكان بعيدا نسبيا عن الجامع لكن في نفس حيه واكملت مشيا ادرك الاجر المترتب في الحديث الوارد في الفتوى 170090 ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولا:

ورد في فضل المشي إلى صلاة الجمعة ما يدل على أن ثوابه أعظم من ثواب المشي إلى الصلوات الخمس .

روى أبو داود (345) عن أَوْس بْن أَوْسٍ الثَّقَفِىُّ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : (مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ ، ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ ، وَدَنَا مِنَ الإِمَامِ ، فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ ، أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا) وصححه الألباني .

قوله صلى الله عليه وسلم : (ومشى ولم يركب) .

قال النووي رحمه الله : " حكى الخطابي عن الأثرم أنه للتأكيد , وأنهما بمعنى .

والمختار أنه احتراز من شيئين :

أحدهما: نفي توهم حمل المشي على المضي والذهاب , وإن كان راكباً .

والثاني: نفي الركوب بالكلية ; لأنه لو اقتصر على " مشى " لاحتمل أن المراد وجود شيء من المشي ولو في بعض الطريق , فنفى ذلك الاحتمال , وبين أن المراد مشى جميع الطريق , ولم يركب في شيء منها" . انتهى من "شرح المهذب" (4/416).

ثانيا :

ورد في كثير من الأحاديث ما يدل على أن المسلم إذا نوى فعل الخير ، وعزم عليه ، لكنه منعه منه مانع أنه يثاب على هذه النية كالفاعل .

فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو راجع من غزوة تبوك : (... إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَاماً مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ ،  قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ : وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ ، حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ) رواه البخاري (4423) .

وعن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا) رواه البخاري (2834) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:

" وَهُوَ فِي حَقّ مَنْ كَانَ يَعْمَل طَاعَة، فَمُنِعَ مِنْهَا وَكَانَتْ نِيَّته لَوْلَا الْمَانِع أَنْ يَدُوم عَلَيْهَا" انتهى ، من فتح الباري .

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) رواه البخاري (1) ومسلم (1907) ،

وروى الترمذي (2325) ، وأحمد (18031) عن أبي كَبْشَةَ الأَنَّمَارِيُّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفْضَلِ المَنَازِلِ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا، فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَخْبَثِ المَنَازِلِ، وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ ) .

وقال الترمذي عقبه : " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ " ، وصححه الألباني في " صحيح سنن الترمذي " .

والحديث يدل على أنه تكفي النية حتى يتحقق هذا الجزاء ، ولكن يشترط لذلك أن يكون عاجزا عن العمل ، فإن كان قادرا على العمل كله أو بعضه : فإنه يفعل ما يستطيع منه .

فههنا يفرق بين حالين :

الأولى : أن ينوي المسلم فعل الخير ، ويفعل منه ما يقدر عليه ولكنه يعجز عن إتمامه ، فهذا يثاب ثوابا كاملا كالفاعل .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" من نوى الخير وعمل منه مقدوره ، وعجز عن إكماله : كان له أجر عامل " انتهى من " مجموع الفتاوى " (22/243) .

وقال رحمه الله أيضا :

" الْمُرِيدُ إرَادَةً جَازِمَةً ، مَعَ فِعْلِ الْمَقْدُورِ : هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَامِلِ الْكَامِلِ " انتهى من " مجموع الفتاوى " (10/ 731) .

الحال الثانية :

أن ينوي فعل الخير ويعجز عنه كله ، فلا يستطيع أن يفعل منه شيئا ، فهذا له ثواب الفعل ، لكن من غير مضاعفة ، الحسنة بعشر أمثالها ، إلى ما شاء الله .

قال ابن رجب رحمه الله :

" وقد حمل قوله : ( فهما في الأجر سواءٌ ) على استوائهما في أصلِ أجرِ العمل ، دون مضاعفته ، فالمضاعفةُ يختصُّ بها من عَمِلَ العمل دونَ من نواه فلم يعمله ، فإنَّهما لو استويا مِنْ كلِّ وجه ، لكُتِبَ لمن همَّ بحسنةٍ ولم يعملها عشرُ حسناتٍ ، وهو خلافُ النُّصوصِ كلِّها ، ويدلُّ على ذلك قوله تعالى : ( فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ) ، قال ابن عباس وغيره : القاعدون المفضَّلُ عليهم المجاهدون درجة : همُ القاعدون من أهلِ الأعذار ، والقاعدون المفضَّل عليهم المجاهدون درجاتٍ : هم القاعدون من غير أهل الأعذار " انتهى من " جامع العلوم والحكم " (2/321) .

وقال السندي رحمه الله في " حاشيته على ابن ماجه " :

" وَالْمُرَاد يُؤْجَر عَلَى نِيَّة الْخَيْر ، فَهُوَ فِي أَصْل الْأَجْر أَيْضًا مُسَاوٍ لِلْمُنْفِقِ ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُنْفِقِ زِيَادَة ، فَإِنَّ مَنْ نَوَى حَسَنَة يُكْتَب لَهُ وَاحِدَة ، وَإِذَا فَعَلَهَا فَعَشْرَة " انتهى .

وسئل الشيخ عبد الله بن غديان عضو هيئة كبار العلماء رحمه الله : بقربي مسجد يبعد عن بيتي مسافة بسيطة، وقد فُتح لهذا المسجد طريق سيارة، وأنا أذهب إلى المسجد بالسيارة لأداء الصلاة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث ما معناه: أن خطوات الإنسان المسلم التي يخطوها، أو يخطو بها إلى المسجد، إحداها ترفع درجة، والأخرى تحط سيئة، فأيهما أفضل السيارة أو المشي؟

فأجاب :

"إذا كنت قوياً تستطيع الوصول إلى المسجد بالمشي، فإن السير على الأقدام أفضل لك، وإذا كنت لا تستطيع الوصول إلى المسجد إلا بمشقةٍ خارجةٍ عن العادة، فإنه يكتب لك أجر الخطى، وتصل إلى المسجد راكباً على السيارة. وبالله التوفيق" انتهى.

وبناء على هذا ؛ فمن منعه مانع من المشي للمسجد من مرض ونحوه وذهب راكبا فيكتب له أجر الماشي إن شاء الله.

ثالثا:

أما ترك المسجد لكون الخطيب يروج لبعض البدع أو من أهل البدع، فليس مانعا من الصلاة في المسجد؛ لأن الصلاة خلف المبتدع والفاسق صحيحة.

قال الشيخ ابن باز: " كل من نحكم بإسلامه يصح أن نصلي خلفه ومن لا فلا، وهذا قول جماعة من أهل العلم وهو الأصوب.

وأما من قال أنها لا تصح خلف العاصي فقوله هذا مرجوح، بدليل أن النبي ﷺ رخص في الصلاة خلف الأمراء، والأمراء منهم الكثير من العصاة، وابن عمر وأنس وجماعة صلوا خلف الحجاج وهو من أظلم الناس.

والحاصل أن الصلاة تصح خلف مبتدع بدعة لا تخرجه عن الإسلام، أو فاسق فسقًا ظاهرًا لا يخرجه من الإسلام.

لكن ينبغي أن يولى صاحب السنة، وهكذا الجماعة إذا كانوا مجتمعين في محل يقدمون أفضلهم". انتهى

وإذا اخترت الذهاب للمسجد البعيد راكبا لتجنب نفسك سماع ما تكره ولتستفيد من الخطبة فهو أفضل، ولكنه ليس العذر المانع الذي يحكم في مثله بأن صاحبه يأخذ أجر العمل الذي منع من فعله لعذر، ولكن فضل الله واسع ويرجى أن يكتب لك أجر الماشي.

نسأل الله تعالى أن يوفقنا لكل خير .

والله أعلم

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android