الأحد 19 شوّال 1445 - 28 ابريل 2024
العربية

ما هي علة تحريم رسم وتصوير ذوات الأرواح؟

414114

تاريخ النشر : 28-09-2023

المشاهدات : 2612

السؤال

بخصوص حكم رسم ذوات الأرواح، أنا لم أستوعب علة الحكم بعد، يقال: إنه بسبب مضاهاة خلق الله؛ أي التشبه بخلق الله تعالى، عندما يرسم الرسام صورة مخلوق حي، ويجعلها مطابقة للواقع ينال إعجاب الناس، وهذا هو المقصود بمضاهاة أو مشابهة خلق الله تعالى، لكن لماذا إذا رسم صورة شجرة أو طبيعة وجعلها وكأنها حقيقة لا يعتبر مضاهاة، وليس محرما؟ أليس الطبيعة أيضا من خلق الله تعالى؟ وهل التصوير الفوتوغرافي أيضا حرام؛ لأن النتيجة واحدة، والوسيلة اختلفت، الأول يرسم باليد، والثاني يضغط زر ليصور؟ وماذا عن القول الذي يقول: إن هذا الحكم كان لإبعاد الناس عن أمور الجاهلية، وتعظيم الأصنام والصور، وإن هذا الحكم ليس ضروريا؛ لأن الناس لم تعد تصنع الرسوم للعبادة، وإنما للتعليم، والترفيه، وأنا اعرف أشخاصا أرادوا صنع قصص مصورة تروي قصصا جميلة، وليس فيها أجندة كفرية، بل شيء يستطيع القارئ المسلم أن يستمتع بها دون القلق من احتوائها على أقوال أو افكار تجميل الخطأ، ولكنهم تركوا مشروعهم بعد الغضب والحزن وحيرة، أرجو أن تجاوبوا علي بالتفصيل؛ لأنني أريد أن أعرف إذا يستطيع أصحابي أن يستمروا بمشروعهم، أم عليهم أن يتوقفوا كليا، وعدم التفكير فيه؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

دلت النصوص على تحريم رسم ذوات الأرواح، وجاءت معللة بعلل منها: المضاهاة لخلق الله، وأن المصور يحاول أن يخلق كخلق الله، ومنها : أن هذا التصوير ذريعة للشرك، لما فيه من تصوير المعظمين وأن مبدأ الشرك كان من ذلك، ومنها : أن فيه تشبها بالكافرين المفتونين بالتصوير من قديم.

فمن ذلك:

1-عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ رواه البخاري (5610)، ومسلم (2107).

2-وروى البخاري (5953) عن أبي زُرْعَةَ، قَالَ: "دَخَلْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ، دَارًا بِالْمَدِينَةِ، فَرَأَى أَعْلاَهَا مُصَوِّرًا يُصَوِّرُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا حَبَّةً، وَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً".

3- وعَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لَهُمْ : أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ رواه البخاري (5607)، ومسلم (2108).

4-وروى البخاري (5963)، ومسلم (2110) عن ابْنِ عَبَّاسٍ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فِي الدُّنْيَا كُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ.

5- وروى البخاري (2112)، ومسلم (2110) عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ : إِنِّي رَجُلٌ أُصَوِّرُ هَذِهِ الصُّوَرَ فَأَفْتِنِي فِيهَا ، فَقَالَ لَهُ : ادْنُ مِنِّي ، فَدَنَا مِنْهُ ثُمَّ قَالَ : ادْنُ مِنِّي ، فَدَنَا حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ ، قَالَ : أُنَبِّئُكَ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: كُلُّ مُصَوِّرٍ فِى النَّارِ يَجْعَلُ لَهُ بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْسًا فَتُعَذِّبُهُ فِى جَهَنَّمَ .

وَقَالَ ابن عباس : إِنْ كُنْتَ لاَ بُدَّ فَاعِلاً فَاصْنَعِ الشَّجَرَ وَمَا لاَ نَفْسَ لَهُ".

وهذا يدل على أن المحرم ما تعلق بذوات الأرواح، فلا يدخل في ذلك الشجر مع أنه من خلق الله، فتكون المضاهاة محرمة في رسم ما له روح فقط.

وقد دل على ذلك المعنى أيضا: حديث أبي هريرة رضي الله عنها أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم : مُرْ برأس التمثال فليقطع حتى يكون كهيئة الشجرة رواه الترمذي (2806) وأبو داود (4158)،وصححه الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب" (3060) .

فهذا تنبيه على أن الشجرة يجوز تصويرها.

وينظر جواب السؤال رقم:(70497). 

وقد نص جماعة من أهل العلم على أن العلة هي المضاهاة.

قال النووي – رحمه الله- : " قال أصحابنا وغيرهم من العلماء : تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم ، وهو من الكبائر ؛ لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث ، وسواء صنعه بما يمتهن أو بغيره فصنعته حرام بكل حال ؛ لأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالى ، وسواء ما كان في ثوب أو بساط أو درهم أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها ، وأما تصوير صورة الشجر ورحال الإبل وغير ذلك مما ليس فيه صورة حيوان : فليس بحرام " انتهى من " شرح مسلم " (14/82) .

ثانيا:

أما التعليل بكونه ذريعة للشرك، ومن التشبه بالكافرين فيدل عليه ما روى البخاري (434) ومسلم (528) عَنْ عَائِشَةَ: " أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَنِيسَةً رَأَتْهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ يُقَالُ لَهَا مَارِيَةُ فَذَكَرَتْ لَهُ مَا رَأَتْ فِيهَا مِنْ الصُّوَرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُولَئِكَ قَوْمٌ إِذَا مَاتَ فِيهِمْ الْعَبْدُ الصَّالِحُ أَوْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ.

وقد كان التصوير مبدأ الشرك في الأرض ؛ حيث صوَّر قوم نوح عليه السلام بعض أشكال رجال صالحين منهم – وهم ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر – ليتذكروهم بالدعاء والثناء ، وليكونوا سبباً في حثهم على الطاعات ، فلما طال الأمد عبدوهم وأشركوا بالله تعالى ، قال تعالى: وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا نوح/22-23.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - : " وهذه أسماء رجال صالحين لما ماتوا زين الشيطان لقومهم أن يصوروا صورهم لينشطوا -بزعمهم- على الطاعة إذا رأوها ، ثم طال الأمد وجاء غير أولئك ، فقال لهم الشيطان : إن أسلافكم يعبدونهم ويتوسلون بهم وبهم يسقون المطر ، فعبدوهم ، ولهذا أوصى رؤساؤهم للتابعين لهم أن لا يدعوا عبادة هذه الآلهة " انتهى من " تفسير السعدي" ( ص889) .

ولا يقال: إن المسلم الموحد لا يقع في الشرك، فهذا أمر يرده الشرع والواقع، فكم من معظمين لصور شيوخهم يستقبلونها في صلواتهم، والشريعة أخبرت أن الشرك سيعود في هذه الأمة.

قال أبو بكر ابن العربي المالكي في "أحكام القرآن" (4/9) في بيان هذه العلة وأنها لا تنافي التعليل بالمضاهاة مع ذكر ما رآه من الافتتان بذلك:

" والذي أوجب النهي عنه في شرعنا ، والله أعلم : ما كانت العرب عليه من عبادة الأوثان والأصنام، فكانوا يصورون ويعبدون، فقطع الله الذريعة وحمى الباب.

فإن قيل: فقد قال حين ذم الصور وعملها من الصحيح قول النبي - عليه السلام -: من صور صورة عذبه الله حتى ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ. وفي رواية: الذين يشبهون بخلق الله؛ فعلل بغير ما زعمتم.

قلنا: نهى عن الصورة، وذكر علة التشبيه بخلق الله، وفيها زيادة علة عبادتها من دون الله، فنبه على أن نفس عملها معصية، فما ظنك بعبادتها، وقد ورد في كتب التفسير شأن يغوث ويعوق ونسر، وأنهم كانوا أناسا، ثم صُوروا بعد موتهم وعبدوا. وقد شاهدت بثغر الإسكندرية إذا مات منهم ميت صوروه من خشب في أحسن صورة، وأجلسوه في موضعه من بيته وكسوه بزته إن كان رجلا وحليتها إن كانت امرأة، وأغلقوا عليه الباب.

فإذا أصاب أحدا منهم كرب أو تجدد له مكروه فتح الباب عليه وجلس عنده يبكي ويناجيه بكان وكان ، حتى يكسر سورة حزنه بإهراق دموعه، ثم يغلق الباب عليه وينصرف عنه، وإن تمادى بهم الزمان يعبدوها من جملة الأصنام والأوثان" انتهى.

ثالثا:

ومن الآثار السيئة للتصوير أنه يمنع دخول الملائكة، لما روى البخاري (3224) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: حَشَوْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِسَادَةً فِيهَا تَمَاثِيلُ كَأَنَّهَا نُمْرُقَةٌ، فَجَاءَ فَقَامَ بَيْنَ البَابَيْنِ وَجَعَلَ يَتَغَيَّرُ وَجْهُهُ، فَقُلْتُ: مَا لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا بَالُ هَذِهِ الوِسَادَةِ؟، قَالَتْ: وِسَادَةٌ جَعَلْتُهَا لَكَ لِتَضْطَجِعَ عَلَيْهَا، قَالَ: أَمَا عَلِمْتِ أَنَّ المَلاَئِكَةَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ، وَأَنَّ مَنْ صَنَعَ الصُّورَةَ يُعَذَّبُ يَوْمَ القِيَامَةِ يَقُولُ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ.

ورواه مسلم (2160) من حديث أبي طلحة.

قال النووي – رحمه الله - : " قال العلماء : سبب امتناعهم – أي : الملائكة - من بيتٍ فيه صورة : كونها معصية فاحشة ، وفيها مضاهاة لخلق الله تعالى " انتهى من " شرح مسلم " ( 14 / 84 ) .

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(180539)، ورقم:(7222). 

رابعا:

ينظر في حكم التصوير الفوتوغرافي جواب السؤال رقم: (13633)، ورقم: (10668)، ورقم: (7918).

خامسا:

قد ذكرنا في أجوبة عدة أن التصوير الرقمي (الدجيتال) لا يدخل في التصوير المحرم ، ما لم يخرج على شيء ثابت كورق أو قماش، وإلا فهو ذبذبات كهربائية.

وينظر: جواب السؤال رقم:(101257). 

سادسا:

يرخص للأطفال في صناعة المجسمات، ورسم الصور، كما يرخص في صناعتها لهم.

فلا حرج في كتابة قصة مصورة للأطفال ولو اشتملت على صور ذوات الأرواح.

وينظر: جواب السؤال رقم:(315944). 

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب