الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

ما حكم السفر والانتقال دون إذن الزوج أو الأب؟

414124

تاريخ النشر : 11-01-2024

المشاهدات : 3230

السؤال

أنا فتاة عمري ٢٢ سنة، بسبب أوضاع الحرب التي نعيش فيها انتقلنا أنا وأسرتي من مدينتنا إلى مدينة نائية، وقد مكثنا فيها ٦ سنوات تقريبًا، ولكن لم نسترح فيها أبدًا؛ بسبب عاداتها، وتقاليدها المختلفة جِدًّا عنا، ولعدم وجود أهل لنا، وأصبحنا أنا وأختي الصغرى نشعر بالوحدة الشديدة، والحزن الشديد، ومستمرتان في البكاء، ولا نستطيع الانتقال منها؛ لوجود عمل متوفر لأبي في هذه المدينة، وهو يرى أنّ هناك صعوبة في إيجاد عمل آخر في مدينة أخرى بسبب الأوضاع في بلادنا، مع أن أبي طبيب، والعمل الطبي مطلوب في أغلب الأماكن، لكنه مع ذلك يرفض الخروج من هذه المدينة، ويكتفي بالقول: إن الخروج من المدينة صعب لأسباب معينة لديه، ونحن جميعا لا نستطيع تصديق أن هذه الأسباب كافية، والمشكلة الرئيسية التي أواجهها أن كل من يتقدم لي من هذه المدينة يتم رفضه بسبب عدم التوافق في التقاليد، وعدم الانسجام معهم أصلًا، وحتى إن تقدم لي شخص من مدينتي التي كنا نسكن فيها لا نستطيع معرفته، ولا حتى السؤال عنه؛ بسبب بُعد المسافة، فينتهي الأمر بالرفض أيضًا. سؤالي: هل يجوز أن نسافر أنا وأمي وأختي إلى مدينة أخرى، وترك أبي وحيدًا في هذه المدينة، وستتم زيارته بين الحين والآخر، وهو غير راضٍ تمامًا بفكرة سفرنا ويشعر بأن هذا تخلٍّ عنه؟ وهل يُعتبر أبي يظلمني ببقائنا في هذه المدينة النائية؟

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

لا شك أن رغبتكم في الزواج وفي الظروف التي تسهل حدوثه هي رغبة فطرية محمودة، ومشاعر الألم التي تمرون بها نتيجة لتعقيد الظروف: هي مشاعر مقبولة، ومن المفهوم، والمتوقع: المرور بها.

نسأل الله أن يهون عليكن، وعلى والدكن، جميعا، وأن ييسر لكم، وأن يجعل لكم من أمركم فرجًا ومخرجًا.

ثانيًا:

 ما يصيب العبد في الدنيا من أمر إلا وقد قدره الله، وهو سبحانه لا يقضي إلا بعلم وحكمة بالغة، كما قال سبحانه وتعالى -بعد أن أرشد المؤمنين إلى الزواج المباح-: ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ النساء/25-26.
فيبقى ما أنتم فيه ابتلاءً ، والعبودية الواجبة في الابتلاء هي الاحتساب والصبر، وسؤال الله من كرمه وفضله، ولا يتعارض هذا مع الحزن ، لكن الحزن إن غلب على الإنسان يُخشى منه أن يقوده إلى التسخط على أقدار الله.

ثالثًا:

 لا شك أن والدكم حريص عليكم، ولعل هناك أسبابًا لا يستطيع البوح بها، لا سيما في الأوضاع الأمنية والسياسية والاجتماعية المعقدة في بلدكم، وما فيه من حروب وفتن.

والواجب عليكن إحسان الظن به، والدعاء له، ففي الدعاء سر عظيم، وما بين طرفة عين وانتباهتها؛ يغير الله الأمر؛ من حال، إلى حال!!

رابعًا:

 نقترح عليكم أن تكلموا بعض من يحبهم الوالد، ولهم قدر عنده، ويشرح له المشكلة من جوانبها؛ فلعل هذا الحوار يغير الموقف، سواء بتغيير البلدة، أو الموافقة على أقرب شخص مناسب، ولو وجدت بعض الفروق في التقاليد ، فهذا من أسباب تسهيل الزواج، وتسهيل الزواج أمر مطلوب.

يقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "الواجب على الجميع أن يسعوا وأن يأخذوا بأسباب تسهيل الزواج بكل الوجوه".

خامسًا:

 مع إقرارنا بفطرية الرغبة في الزواج؛ إلا أن انحسار حياة الفتاة في رغبة الزواج، عادة ما يؤدي إلى وقوعها في مشكلات شتى عند تأخر هذا الزواج.

والنصيحة لكن: أن تبحثن عن نشاطات ثقافية ودينية واجتماعية وتعليمية تنخرطون فيها، فتعطي حياتكم معنى، وتشغل أوقاتكم بما ينفعكم، وتخرجكن من دوامة الحزن والأسى التي تعشِن فيها.

والزواج على أهميته، ليس هو مشروع الحياة الأوحد ، ولا غايتها المفردة، الله عز وجل خلقنا لعبادته، والحياة مليئة بوجوه العيش التي تُدخل المعنى والقيمة والسرور على النفس الإنسانية، فأقبِلْن على الحياة ، واخترن منها ما يحبه الله من عباده.

وهذه المدن الصغيرة فرصة حسنة لفعل الخير، ومساعدة الناس، ولا شيء يبهج النفس مثل فعل الخير ومساعدة الناس ، والجزاء من جنس العمل ، فالمرجو أن يفرج الله عنكن بقدر ما تفعلونه تفريجًا عن الناس.

ونرجو النظر إلى جواب هذا السؤال:(112172).

سادسا :

أما حكم السفر بغير إذن والدكن -وفقه الله-.

  1. أما الزوجة:

فلا يجوز لها السفر بغير إذن زوجها؛ وذلك: أن خروجها من بيت زوجها إذا كان لا يجوز إلا بإذنه، فكيف بالسفر والمغادرة إلى مكان آخر.

وهذا أمر متقرر شرعاً بالنصوص الصحيحة الصريحة. ومن تلك النصوص قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ الطلاق:1

فإذا كان هذه المنع للمرأة حال عدة الطلاق، ففي حال قيام الزوجية التامة من باب أولى.

بل نص الفقهاء على حرمة خروجها للطاعات إلا بإذنه.

قال ابن قدامه رحمه الله: "فإن اعتكفت بغير ‌إذنه فهي ناشز؛ لخروجها من منزل ‌زوجها بغير ‌إذنه" انتهى بتصرف يسير من "المغني" (11/401).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:" وقال زيد بن ثابت: الزوج سيد في كتاب الله، وقرأ قوله تعالى: وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ، وقال عمر بن الخطاب : النكاح رق، فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته، وفي الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :(اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ – أي : أسيرات- ) ، فالمرأة عند زوجها تشبه الرقيق والأسير، فليس لها أن تخرج من منزله إلا بإذنه، سواء أمرها أبوها أو أمها أو غير أبويها باتفاق الأئمة" انتهى من "مجموع الفتاوى" (32/ 263).

وقال ابن مفلح الحنبلي: " ويحرم خروج المرأة من بيت زوجها بلا إذنه إلا لضرورة، أو واجب شرعي" انتهى من "الآداب الشرعيَّة" (3/374).

وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن خروج المرأة بغير إذن زوجها فأجاب: "أما ‌خروج المرأة من بيت زوجها فإنه لا يجوز ‌إلا ‌بإذنه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد ‌إلا ‌بإذنه)؛ فإذا منع النبي عليه الصلاة والسلام من الصيام وهو طاعة وقربة ، فإن منعها من الخروج من منزله بلا إذنه أولى" انتهى من "فتاوى نور على الدرب للعثيمين" (19/2 بترقيم الشاملة).

وليس لخروجكن ضرورة تدعو إليه، فقد اختار الوالد لكُنَّ المكان الآمن الذي يستطيع نقلكن إليه، ويأمن عليكن فيه من تبعات الحرب وآثارها، كما أن مطالبته بالانتقال ربما كان فيه تعريض لحياته وحياتكن للخطر، في ظل الحرب القائمة .
فضلاً عن أن الانتقال من البلد التي أنتم فيها، ليس بالضرورة انتقالاً للأفضل، فقد انتقلت أسر كثيرة، وازداد حالها تعقيدا وسوءا ، وهذا لا يخفاكم.

ثم يلحق بهذا مخالفة شرعية أخرى، وهي أنه لا يجوز لكن ولا لأمكن السفر إلا مع ذي محرم. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) رواه مسلم (1339).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قال البغوي: لم يختلفوا في أنه ليس للمرأة السفر في غير الفرض إلا مع زوج أو محرم، إلا كافرة أسلمت في دار الحرب، أو أسيرة تخلصت. وزاد غيره: أو امرأة انقطعت من الرفقة، فوجدها رجل مأمون فإنه يجوز له أن يصحبها حتى يبلغها الرفقة " انتهى من "فتح الباري (4/76).

2-وأما بالنسبة لكنَّ (البنات):

فلا يجوز لكنّ السفر إلا برضاه وإذنه؛ فطاعة الوالد واجبة، ومخالفته عقوق .

قال الله تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً .... الآية النساء:36.

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( "أَفْضَلُ الأَعْمَالِ : الصَّلَاةُ ‌لِوَقْتِهَا، ‌وَبِرُّ ‌الْوَالِدَيْنِ) رواه مسلم (140).

وعن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( رِضَى الرَّبِّ فِي رِضَى ‌الوَالِدِ، وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ ‌الْوَالِدِ) الترمذي (1899)، وصححه الألباني في "السلسة الصحيحة" حديث رقم (516) .

وعقوق الوالدين من أكبر الكبائر، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ - وَجَلَسَ ‌وَكَانَ ‌مُتَّكِئًا، فَقَالَ - أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ. قَالَ: فما زال يكررها حتى قلنا: ليته يسكت) البخاري (2511).

والنصوص في هذه الأمر كثيرة جداً.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:" والعقوق: مشتق من العق وهو القطع، والمراد به ‌صدور ‌ما ‌يتأذى ‌به ‌الوالد ‌من ‌ولده من قول أو فعل إلا في شرك أو معصية"  انتهى من "فتح الباري لابن حجر" (10/ 406).

ومن حق والدكن أن يمنعكن من السفر إذا رأى أن ذلك الأصلح لكن في أمور دينكن أو دنياكن، ففي الحديث عن صلى الله عليه وسلم (‌كُلُّكُمْ ‌راع، وكلكم مسؤول عن ‌رعيته، الإمام راع ومسؤول عَنْ ‌رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مسؤول عَنْ ‌رَعِيَّتِهِ، ...الحديث) البخاري (853).

وعليه: فلا يجوز لكنّ تجاوز ما يراه الوالد مصلحة في البقاء وعدم المغادرة، فالآباء أحرص على ما ينفع أولادهم من الأولاد أنفسهم، وغالبا وبالتجربة المتواترة: أنّ طاعتهم عاقبتها خيرٌ ولو لم تكن على هوى الأولاد ، ومخالفتهم عاقبتها سيئة، ولو ظهر أول الأمر خلاف ذلك.

وفي طاعة الوالد وموافقته، ستجدن كل خير في العاجل والآجل ، إن شاء الله.

فعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (‌الوَالِدُ ‌أَوْسَطُ ‌أَبْوَابِ الجَنَّةِ، فَإِنْ شِئْتَ فَأَضِعْ ذَلِكَ البَابَ أَوْ احْفَظْهُ) الترمذي (1900)، وصححه الألباني في "السلسة الصحيحة" (914).

نسأل الله تعالى أن ييسر لكم الخير ، ويجعل لكم من أمركم رشدا .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب