الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

إذا شك الإمام في الصلاة، ولم ينبهه المأمومون، فهل يعتمد على سكوتهم؟

414560

تاريخ النشر : 13-12-2023

المشاهدات : 3157

السؤال

هل يعتبر برأي المأمومين إذا سها الإمام في الصلاة؟ يعني إذا شك الإمام هل سها في الصلاة أم لا، ولم ينبهه المأمومون، فهل يستمر في الصلاة حتي ينهيها بدون سجود سهو أم ماذا؟

الجواب

الحمد لله.

إذا شك المصلي في صلاته فلم يدر هل صلى ثلاثا أو أربعا مثلا، فله حالتان:

الأولى: أن لا يكون لديه ترجيح، فإنه يبني على الأقل، ويسجد سجدتي السهو قبل أن يسلم؛ لحديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى؟ ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا؟ فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا، شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لِأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ ) رواه مسلم (571).

الثانية: أن يكون لديه ترجيح أنه صلى ثلاثة أو أنه صلى أربعة، فيبني على ما ترجح عنده، ويسجد للسهو بعد أن يسلم؛ لما وروى البخاري (401) ومسلم (572) أن النبي صلى الله عليه وسلم : (إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيُسَلِّمْ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ) .

"قال النووي رحمه الله: " قوله صلى الله عليه وسلم: ( وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ، فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ ) وفي رواية: ( فَلْيَنْظُرْ أَحْرَى ذَلِكَ لِلصَّوَابِ) وفي رواية: ( فَلْيَتَحَرَّ أَقْرَبَ ذَلِكَ إِلَى الصَّوَابِ )، وفي رواية: ( فَلْيَتَحَرَّ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ الصَّوَابُ ):

فِيهِ دَلِيل لِأَبِي حَنِيفَة رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى وَمُوَافِقِيهِ مِنْ أَهْل الْكُوفَة وَغَيْرهمْ مِنْ أَهْل الرَّأْي عَلَى أَنَّ مَنْ شَكَّ فِي صَلَاته فِي عَدَد رَكَعَات: تَحَرَّى، وَبَنَى عَلَى غَالِب ظَنّه، وَلَا يَلْزَمُهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَقَلّ وَالْإِتْيَانُ بِالزِّيَادَةِ .

وَظَاهِر هَذَا الْحَدِيث حُجَّة لَهُمْ" انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: " الصحيح الذي دلت عليه السنة أن الشك قسمان وهما:

1 ـ شك يترجح فيه أحد الطرفين، فتعمل بالراجح، وتبني عليه، وتسجد بعد السلام.

2 ـ شك لا يترجح فيه أحد الطرفين، فتبني فيه على اليقين، وتسجد قبل السلام، وهذا اختيار شيخ الإسلام " انتهى من "الشرح الممتع" (3/396).

ولا يبني الإمام موقفه على سكوت المأمومين، ولكن سكوتهم وعدم تنبيههم له قد يقوي ترجيحه، إن كان له ترجيح، كأن يشك، فيرجح أنه في الرابعة، ويسكت المأمومون، فيستفيد من سكوتهم تقوية لترجيحه، ويلزمه السجود للسهو، سواء سكتوا أو نبهوا.

ثم قد يتبين بعد الصلاة أن سكوتهم ليس موافقة له، لكن لكون الأمر التبس عليهم، أو لغير ذلك من الأسباب، وأنه إنما صلى ثلاثا، فيلزمهم الإتيان بركعة.

فسكوت المأمومين لا يعوّل عليه، وليس إلا قرينة تقوي ترجيحه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بيان حالة التحري والترجيح: "وَمَنْ قَالَ: لَيْسَ هُنَا دَلَالَةٌ تُبَيِّنُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ: غَلِطَ ، فَقَدْ يَسْتَدِلُّ عَلَى ذَلِكَ بِمُوَافَقَةِ الْمَأْمُومِينَ إذَا كَانَ إمَامًا ، وَقَدْ يَسْتَدِلُّ بِمُخْبِرِ يُخْبِرُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ، فَيَحْصُلُ لَهُ بِذَلِكَ اعْتِقَادٌ رَاجِحٌ، وَقَدْ يَتَذَكَّرُ مَا قَرَأَ بِهِ فِي الصَّلَاةِ، فَيَذْكُرُ أَنَّهُ قَرَأَ بِسُورَتَيْنِ فِي رَكْعَتَيْنِ، فَيَعْلَمُ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا رَكْعَةً ، وَقَدْ يَذْكُرُ أَنَّهُ تَشَهَّدَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ، فَيَعْلَمُ أَنَّهُ صَلَّى ثِنْتَيْنِ لَا وَاحِدَةً ، وَأَنَّهُ صَلَّى ثَلَاثًا لَا اثْنَتَيْنِ ، وَقَدْ يَذْكُرُ أَنَّهُ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَحْدَهَا فِي رَكْعَةٍ، ثُمَّ فِي رَكْعَةٍ، فَيَعْلَمُ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا لَا ثَلَاثًا ، وَقَدْ يَذْكُرُ أَنَّهُ صَلَّى بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ رَكْعَتَيْنِ، فَيَعْلَمُ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا لَا ثَلَاثًا وَاثْنَتَيْنِ لَا وَاحِدَةً، وَقَدْ يَذْكُرُ أَنَّهُ تَشَهَّدَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ وَالشَّكُّ بَعْدَهُ فِي رَكْعَةٍ، فَيَعْلَمُ أَنَّهُ صَلَّى ثَلَاثًا لَا اثْنَتَيْنِ.

وَمِنْهَا: أَنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ لَهُ فِي بَعْضِ الرَّكَعَاتِ، إمَّا مِنْ دُعَاءٍ وَخُشُوعٍ وَإِمَّا مِنْ سُعَالٍ وَنَحْوِهِ وَإِمَّا مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ، مَا يَعْرِفُ بِهِ تِلْكَ الرَّكْعَةَ، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ صَلَّى قَبْلَهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَيَزُولُ الشَّكُّ.

وَهَذَا بَابٌ لَا يَنْضَبِطُ؛ فَإِنَّ النَّاسَ دَائِمًا يَشُكُّونَ فِي أُمُورٍ: هَلْ كَانَتْ أَمْ لَمْ تَكُنْ؟ ثُمَّ يَتَذَكَّرُونَ، وَيَسْتَدِلُّونَ بِأُمُورِ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ، فَيَزُولُ الشَّكُّ .

فَإِذَا تَحَرَّى الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ لِلصَّوَابِ: أَزَالَ الشَّكَّ.

وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا" انتهى من "مجموع الفتاوى" (23/13).

والحاصل: أن الإمام إن شك في الصلاة، فإنه يتخذ قراره بالمضي، أو بعدمه، اعتمادا على ما قدمناه من حالتي الشك، دون اعتبار للمأمومين، فإن نبهووه، تنبه، وإن سكتوا أفاده ذلك تقوية ما ذهب إليه، ثم يسجد للسهو.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب