الأحد 19 شوّال 1445 - 28 ابريل 2024
العربية

يساعد الناس ولا يرى أثر فعل الخير

415039

تاريخ النشر : 07-07-2023

المشاهدات : 4132

السؤال

أنا شخص لا أحب أن أرى شخصا يعاني وبيدي مساعدته إلا أعنته، وقضيت حاجته، لكن أندم أولا؛ لأنني احتجت لبعضهم وأنكروني، وثانيا أعنت كذا شخص بأن أقرضته، ولكن أحدهم أنكر، والآخر لم يستطع مع طول المدة، وثالثا لا أرى أثر ذلك في حياتي، أريد توجيهي، فقد بدأت أكره هذه الصفة؛ التي هي مساعدة الآخرين، بل وقد أصبح البعض يصفني بأنني مستغل ممن حولي، وكل من في حياتي هم لأجل مصلحتهم، وإنني عودتهم على ذلك، فماذا يرضي الله تعالى؟ وهل عدم رؤية أثر ذلك في حياتي خير أو شر؟ وهل أتوقف؟

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

لا شك أنك تمارس شعبة إيمانية من أجل شعب الإيمان وأعلاها، فالله سبحانه وتعالى يقول: وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ الحج/77، ويقول تعالى مادحا أنبياءه إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ الأنبياء/90.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) أخرجه البخاري(13).

ويقول صلى الله عليه وسلم أيضا: (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مؤمن كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة) أخرجه مسلم (2442).

ويقول صلى الله عليه وسلم: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا؛ نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر؛ يسر الله عليه في الدنيا والآخرة) أخرجه مسلم (2699).

ويقول صلى الله عليه وسلم: (صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ) . أخرجه الطبراني(8014)، وقال الهيثمي في "المجمع" (3/153): "إسناده حسن" .

وغير ذلك كثير من الآيات والأحاديث.

ثانيًا:

تتلخص مشكلتك أخي الكريم في أنك لا تجد أثرًا لفعلك الخير، سواء فيما يتعلق برد فعل من تحسن إليهم، أو في مكافآت دنيوية يسوقها الله إليك.

فنقول لك:

يقول الشاعر العربي:

مَنْ يَفْعَلِ الْخَيْرَ لَا يَعْدَمْ جَوَازِية * لَا يَذْهَبُ العُرْفُ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ

فالعُرف، الذي هو فعل المعروف: إما أن يكافئك به الناس، وإما أن يكافئك به الله، ومكافأة الله لعبده لا يلزم أن تكون في الدنيا، بل قد يدخر الله سبحانه المكافأة لعبده يوم القيامة.

قال الله تعالى: ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ) الإسراء/18-21

يقول الشيخ السعدي، رحمه الله:

"يخبر تعالى أن مَنْ كَانَ يُرِيدُ الدنيا العاجلة المنقضية الزائلة فعمل لها وسعى، ونسي المبتدأ أو المنتهى أن الله يعجل له من حطامها ومتاعها ما يشاؤه ويريده، مما كتب الله له في اللوح المحفوظ، ولكنه متاع غير نافع ولا دائم له.

ثم يجعل له في الآخرة جَهَنَّمَ يَصْلاهَا أي: يباشر عذابها مَذْمُومًا مَدْحُورًا أي: في حالة الخزي والفضيحة والذم من الله ومن خلقه، والبعد عن رحمة الله فيجمع له بين العذاب والفضيحة.

وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ فرضيها وآثرها على الدنيا وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا الذي دعت إليه الكتب السماوية والآثار النبوية فعمل بذلك على قدر إمكانه وَهُوَ مُؤْمِنٌ بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.

فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا أي: مقبولا منمى مدخرا لهم أجرهم وثوابهم عند ربهم.

ومع هذا فلا يفوتهم نصيبهم من الدنيا فكلا يمده الله منها لأنه عطاؤه وإحسانه.

وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا أي: ممنوعا من أحد بل جميع الخلق راتعون بفضله وإحسانه.

انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ في الدنيا بسعة الأرزاق وقلتها، واليسر والعسر والعلم والجهل والعقل والسفه وغير ذلك من الأمور التي فضل الله العباد بعضهم على بعض بها.

وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا فلا نسبة لنعيم الدنيا ولذاتها إلى الآخرة بوجه من الوجوه.

فكم بين من هو في الغرف العاليات واللذات المتنوعات والسرور والخيرات والأفراح ممن هو يتقلب في الجحيم ويعذب بالعذاب الأليم، وقد حل عليه سخط الرب الرحيم وكل من الدارين بين أهلها من التفاوت ما لا يمكن أحدا عده." انتهى، من "تفسير السعدي" (455).

ولا حرج على العبد أن ينتظر أن يعامله الناس بمثل ما عاملهم به، فقد أرشد رسول الله لذلك فقال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) أخرجه البخاري(13).

والله سبحانه يقول: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ الرحمن/60.

وقد أوجب الله على الناس أن يشكروا من أحسن إليهم، وقال رسول الله: (لا يشكر الله من لا يشكر الناس) أخرجه أبو داود (4811).

لكننا لا ننتظر هذا الشكر ومقابلة الإحسان من الناس، على سبيل الجزاء، حتى ننقطع عن الإحسان متى انقطعوا عن الشكر، لأن نتيجة الإحسان على هذا المبدأ قد تخلفت؛ وإنما هذا هو ما ينبغي على المحسن إليه، على سبيل العدل في المعاملة، أما الجزاء فهو من الله، يقول الله سبحانه على لسان عباده المؤمنين: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا الإنسان/9.

يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في "تفسيره" (ص933): "أي: لا جزاء ماليا ولا ثناء قوليا".

أما الجزاء من الله سبحانه، فالعبد الصالح يسأل الله حسنة الدنيا والآخرة، كما في الحديث عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار" أخرجه البخاري(4522).

لكن إن لم تأت حسنة الدنيا بشكل واضح ومباشر، أو لم يلمسها هو، أو لم ينتبه إليها؛ فإن العبد يحتسب الأجر عند الله يوم القيامة، فإنها هي الدار التي يكون فيها الجزاء التام، وأما الدنيا فليسب تدار جزاء أصلا، وإن حصل منه ما حصل في هذه الدار، فبقدر الله، وحكمته.

وإنما على العبد أن يسأل الله أن يتقبل أعماله الصالحة في ميزان حسناته يوم يلقاه، حيث لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

ومع ذلك، فلتنظر إلى نفسك، وعيشك، ومحياك ومماتك يا عبد الله؛ ألسنا – جميعا - نتقلب في نعم الله ليل نهار، ونعيش في زحام من النعم لا نستطيع أن نوفي شكرها، وما أدراك أن نعمة تعيش فيها الآن، أو أن بلاء عافاك الله منه الآن؛ ليس في الحقيقة إلا مكافأة لك على إحسانك للناس ومساعدتك لهم؟

وقد سبق معنا في الحديث: ( صنائع المعروف تقي مصارع السوء )؛ فمن أدراك، لعل إحسانا أحسنته إلى عبد الله، شكره الله لك، وصرف عنك به من مصارع السوء ما تراه نازلا بالناس كثيرا!!

تشبث بهذه الفكرة وتدبر فيها فإنك واجد فيها رضا قلبك بإذن الله.

ثالثًا:

لا بد أن تنتبه إلى أن مساعدة الناس وفضلها السابق ذكره، لا يعني أن تتورط في اللطف الزائد أو أن تساعد الناس على حساب نفسك، وحقوقك وحدودك، وعلى حساب احتياجاتك واحتياجات المسؤولين منك بالدرجة الأولى، فالتوازن والاعتدال مطلوب، وجودة اختيار من تبذل لهم المستويات العميقة من المشاعر، أو المساعدة الخاصة التي لا تجب عليك بأصل الوضع الشرعي: مطلوبة أيضًا.

وإذا كان بالقرب منك شخص عاقل حكيم، يمكنك تعطيه تفاصيل المواقف التي حدثت لك، وعلى ضوء معطياتها، لعله أن يرى ميلا عن الاعتدال والتوازن، فيرشدك إلى ما يحفظ عليك نفسك، ويلم شعثك، ويهون عليك ألم ما حصل لك.

ولو احتسبت ذلك كله عند الله، وألمك من العباد كله عند الله، وجعلت سعيك، وطلبك، وكدك لله، ولم تنتظر من أحدا شيئا، ولا قطعك كنود بني الناس عن الإحسان جهدك، وقويت على الصبر على ذلك؛ فهو خير لك وأبر، وأرفع عند الله؛ وقديما ما قال العبد الصالح المؤمن:

( وَيَاقَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ ) سورة غافر/41

فتأملها مليا ... وتَسَلَّ بها يوما طويلا!!

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب