الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

هل كان معاوية رضي الله عنه من كتاب النبي صلى الله عليه وسلم؟

415980

تاريخ النشر : 26-04-2023

المشاهدات : 4713

السؤال

في منشور لكم عن كتابة الوحي لمعاوية رضي الله عنه، فقد ذكرتم حديثا عن ابن عباس رضي الله عنهما أن معاوية كان كاتبا للوحي، وهذا الحديث في مسند احمد سنده فيه ضعف، وقد خالف ما رواه مسلم بدون ذكر انه كاتب الوحي، ففي سنده عمران بن أبي عطاء، قال العقيلي : لا يتابع على حديثه، ولا يعرف إلا به. وقال أبو حاتم الرازي : ليس بالقوي. وقال أبو دواد السجستاني : ليس بذاك، وهو ضعيف. وقال أبو زرعة الرازي : لين. وقال أحمد بن شعيب النسائي : ليس بقوي. وقال يعقوب بن سفيان الفسوي : ليس حديثه بشيء. وقال مصنفوا تحرير تقريب التهذيب : ضعيف يعتبر به. فكيف يتم الاستدلال بحديث سنده فيه ضعف عند أكثر علماء الجرح والتعديل؟ وما القول الفاصل في معاوية عن كتابته الوحي؟ وهل هناك حديث عن النبي أو أثر عن صحابي آخر يبين انه كاتب للوحي؟

الجواب

الحمد لله.

روى الإمام أحمد في "المسند" (4 / 397 - 398)، قال: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: " كُنْتُ غُلامًا أَسْعَى مَعَ الصِّبْيَانِ، قَالَ: فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفِي مُقْبِلًا، فَقُلْتُ: مَا جَاءَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا إِلَيَّ، قَالَ: فَسَعَيْتُ حَتَّى أَخْتَبِئَ وَرَاءَ بَابِ دَارٍ، قَالَ: فَلَمْ أَشْعُرْ حَتَّى تَنَاوَلَنِي، قَالَ: فَأَخَذَ بِقَفَايَ، فَحَطَأَنِي حَطْأَةً، قَالَ: (اذْهَبْ فَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ ) وَكَانَ كَاتِبَهُ، قَالَ: فَسَعَيْتُ، فَقُلْتُ: أَجِبْ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ عَلَى حَاجَةٍ ".

في إسناده عمران بن أبي عطاء القصاب، ولم يتكلم في عدالته أحد، وإنما تكلموا في ضبطه، وهو ليس بالشديد الضعف عند من ضعّفه.

ولذا لخّص حاله الحافظ ابن حجر بقوله:

" صدوق له أوهام " انتهى من "تقريب التهذيب" (ص 430).

ثمّ وإن كان قد ضُعِّف، فقد وثقه غير واحد.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" عمران بن أبي عطاء الأسدي مولاهم أبو حمزة القصاب الواسطي...

قال أحمد: ليس به بأس صالح الحديث.

وقال ابن معين: ثقة.

وقال أبو زرعة: بصري لين.

وقال أبو حاتم والنسائي: ليس بالقوي...

وذكره ابن حبان في "الثقات".

له في مسلم حدث ابن عباس: ( لا أشبع الله بطنه ).

قلت: قال ابن خلفون عن بن نمير: إنه وثقه " انتهى من "تهذيب التهذيب" (3 / 320 - 321).

فمثل هذا لا تهدر روايته، بل أقل أحواله: أن يستأنس بروايته، خاصة إذا لم يرد ما يخالفها، ووافق المشهور عند أهل التاريخ والسير، والأمر في السير والمغازي ونحو ذلك: أخف من رواية الحديث في العقائد والأحكام ونحو ذلك، وهذا معلوم من تصرفات العلماء.

وأدخله الإمام مسلم في صحيحه (2604 ) بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ . فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَارَيْتُ خَلْفَ بَابٍ ، قَالَ فَجَاءَ فَحَطَأَنِي حَطْأَةً ، وَقَالَ: (اذْهَبْ وَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ) . قَالَ فَجِئْتُ فَقُلْتُ : هُوَ يَأْكُلُ . قَالَ ثُمَّ قَالَ لِيَ: اذْهَبْ فَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ . قَالَ فَجِئْتُ فَقُلْتُ: هُوَ يَأْكُلُ . فَقَالَ: (لَا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَهُ).

وعدم ورود لفظ الكتابة عند "الإمام مسلم": ليس فيه إشكال، لأن سندها إلى عمران عند الإمام أحمد رواته ثقات، وتتأيّد بما رواه الخطيب البغدادي في "موضح أوهام الجمع والتفريق" (2 / 108) بإسناد رواته ثقات، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عمر بن مَهْدِيٍّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْعَطَّارُ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ اللَّيْثِ، حَدَّثَنَا يحيى بن حَمَّاد، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، عَن عَمْرو بن مرّة، عَن عبد اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ الأَقْمَرِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: ( كَانَ مُعَاوِيَةُ يَكْتُبُ لِرسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ).

وهذا الخبر بهذا الإسناد هو في "جزء أبي عبد الله العطار" (ص 59 حسب ترقيم الشاملة).

ثم المبالغة في التدقيق في مثل هذه المسألة ليس بمطلوب؛ لأنها مسألة لا ينبني عليها حكم، ومعاوية رضي الله عنه ممن ثبتت صحبته، وثبت إسلامه، وعدالته، وفقهه، وفضيلته؛ وسواء أثتبت أنه من كتاب الوحي، أم لم يثبت؛ فكان ماذا؟

وقد كان رضي الله عنه ممن شهد حنينا وتبوك، وقد شهد الله بالإيمان لمن شهدهما.

قال الله تعالى: ( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ) التوبة:25 – 26).

وقال الله تعالى:

( لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) التوبة/117.

واستعمله بعد ذلك عمر بن الخطاب ثم عثمان رضي الله عنهما على الفتوحات.

وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ إِلَى جَنْبِهِ، يَنْظُرُ إِلَى النَّاسِ مَرَّةً وَإِلَيْهِ مَرَّةً وَيَقُولُ:( ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) رواه البخاري (3746) .

والصلح الذي قام به الحسن رضي الله عنه كان مع أهل الشام بقيادة معاوية رضي الله عنه.

فالحاصل؛ أن المشهور والذي تعضده الروايات أن معاوية رضي الله عنه كان من كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت ما يناقض هذا الأمر، ولا نفاه أحد – فيما وقفنا عليه - من أئمة الحديث، ولا أهل المغازي والسير.

ولو فرض عدم صحة هذا الأمر فليس فيه ما يشكل، فليس كل أفاضل الصحابة كانوا كتابا للنبي صلى الله عليه وسلم.

ومعاوية ممن ثبت إيمانه وصحبته باتفاق أهل العلم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" إيمان " معاوية بن أبي سفيان " - رضي الله عنه - ثابت بالنقل المتواتر، وإجماع أهل العلم على ذلك؛ كإيمان أمثاله ممن آمن عام فتح مكة، مثل أخيه يزيد بن أبي سفيان ومثل سهيل بن عمرو، وصفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، والحارث بن هشام، وأبي أسد بن أبي العاص بن أمية، وأمثال هؤلاء...

وأما إسلامه عام الفتح مع من ذكر: فمتفق عليه بين العلماء؛ سواء كان أسلم قبل ذلك أو لم يكن إسلامه إلا عام فتح مكة؛ ولكن بعض الكذابين زعم: أنه عيّر أباه بإسلامه، وهذا كذب بالاتفاق من أهل العلم بالحديث.

وكان هؤلاء المذكورون من أحسن الناس إسلاما، وأحمدهم سيرة: لم يتهموا بسوء ولم يتهمهم أحد من أهل العلم بنفاق كما اتهم غيرهم؛ بل ظهر منهم من حسن الإسلام وطاعة الله ورسوله وحب الله ورسوله والجهاد في سبيل الله وحفظ حدود الله: ما دل على حسن إيمانهم الباطن وحسن إسلامهم، ومنهم من أمره النبي صلى الله عليه وسلم واستعمله نائبا له... " انتهى من "مجموع الفتاوى" (4 / 453 - 454).

ولمزيد الفائدة طالع جواب السؤال رقم: (140984).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب