الأربعاء 17 جمادى الآخرة 1446 - 18 ديسمبر 2024
العربية

أنواع القياس ومايجوز منه في حق الله سبحانه وتعالى

418565

تاريخ النشر : 30-04-2023

المشاهدات : 8477

السؤال

ما هي أنواع القياس، وما يجوز منه في حق الله سبحانه وتعالى؟

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

القياس لغة: التقدير، ومنه قولهم: قست الثوب بالذراع، إذا قدرته به. انظر: “لسان العرب” (6/187)،

والقياس: المساواة، يقال: فلان لا يقاس بفلان؛ أي: لا يساويه.

وفي اصطلاح الأصوليين يمكن تعريفه بأنه: "حمل فرع، على أصل، في حكم؛ بجامع بينهما" انظر: "روضة الناظر" (2/227).

ثانيًا:

ينقسم القياس إلى أقسام متعددة بعدة اعتبارات:

الأول: باعتبار قوته وضعفه ينقسم القياس إلى جلي وخفي:

فالقياس الجلي: ما قُطع فيه بنفي الفارق المؤثر، أو كانت العلة فيه منصوصةً أو مجمعًا عليها، فهذه ثلاث صور.

وهذا النوع من القياس لا يُحتاج فيه إلى التعرض لبيان العلة الجامعة، لذلك سُمي بالجلي، وذلك مثل قياس إحراق مال اليتيم وإغراقه على أكله، في الحرمة الثابتة في قوله تعالى: إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا النساء/10.

وهذا النوع من القياس متفق عليه، وهو أقوى أنواع القياس لكونه مقطوعًا به، وقد اختُلف في تسميته قياسًا كما سيأتي بيان ذلك في الكلام على مفهوم الموافقة.

والقياس الخفي: ما لم يُقطع فيه بنفي الفارق، ولم تكن علته منصوصة، أو مجمعًا عليها، وذلك مثل قياس القتل بالمثقل، على القتل بالمحدد، في وجوب القصاص.

فهذا النوع لا بدّ فيه من التعرض لبيان العلة، وبيان وجودها في الفرع، فيحتاج إلى مقدمتين:

المقدمة الأولى: أن السكر مثلًا علة التحريم في الخمر، فهذه المقدمة إنما تثبت بأدلة الشرع، وهي مسالك العلة الآتي بيانها.

المقدمة الثانية: أن السكر موجود في النبيذ، فهذه المقدمة يجوز أن تثبت بالحس والعقل والعرف وأدلة الشرع.

وهذا النوع متفق على تسميته قياسًا.

الاعتبار الثاني: باعتبار علته ينقسم القياس إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: قياس العلة، وهو: ما صُرِّح فيه بالعلة، فيكون الجامع هو العلة، وذلك كقوله تعالى: قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين آل عمران/137

يعني: هم الأصل، وأنتم الفرع، والعلة الجامعة التكذيب، والحكم الهلاك.

والقسم الثاني: قياس الدلالة، وهو: ما لم تُذكر فيه العلة، وإنما ذُكر فيه لازم من لوازمها؛ كأثرها، أو حُكمها؛ فيكون الجامع هو دليل العلة، وذلك كقوله تعالى: ومن ءايته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحي الموتى إنه على كل شيء قدير فصلت/39

فالأصل هنا: القدرة على إحياء الأرض، والفرع القدرة على إحياء الموتى، والعلة هي عموم قدرته سبحانه وكمال حكمته، وإحياء الأرض دليل العلة.

والقسم الثالث: القياس في معنى الأصل، وهو: ما كان بإلغاء الفارق؛ فلا يُحتاج فيه إلى التعرض للجامع، وذلك كإلحاق الضرب بالتأفيف، وهذا القسم هو القياس الجلي؛ ويسمى: بمفهوم الموافقة.

ينظر: "إعلام الموقعين" (1/133) وما بعدها.

الاعتبار الثالث: باعتبار ثبوت العلة في الفرع، وانتفائها: ينقسم القياس إلى: قياس طرد، وقياس عكس.

فقياس الطرد: ما اقتضى إثبات الحكم في الفرع لثبوت علة الأصل فيه.

وقياس العكس: ما اقتضى نفْي الحكم عن الفرع لنفي علة الحكم فيه.

ومثال هذين القسمين يوضحه ابن تيمية بقوله:

"وما أَمَرَ الله به من الاعتبار في كتابه: يتناول قياس الطرد، وقياس العكس؛ فإنه لما أهلك المكذبين للرسل بتكذيبهم، كان من الاعتبار أن يُعلم أنَّ مَنْ فَعَلَ مثل ما فعلوا، أصابه مِثْلُ ما أصابهم، فيتقي تكذيب الرسل حذرًا من العقوبة، وهذا قياس الطرد، ويُعلم أنّ مَنْ لم يكذب الرسل لا يصيبه ذلك، وهذا قياس العكس" انتهى، من "مجموع الفتاوى" (9/239).

ثالثًا:

القياس الذي يُستعمل في حق الله تعالى هو قياس الأولى؛ فقد اتفق أهل السنة على أن القياس لا يجري في التوحيد إن أدَّى إلى البدعة والإلحاد، وتشبيه الخالق بالمخلوق، وتعطيل أسماء الله وصفاته وأفعاله.

وإنما يصح القياس في باب التوحيد إذا استُدل به على معرفة الصانع وتوحيده، ويستخدم في ذلك قياس الأَوْلى، لئلا يدخل الخالق والمخلوق تحت قضية كلية تستوي أفرادهاولله المثل الأعلى النحل/60، ولئلا يوهم تماثل الخالق والمخلوق في شيء من الأشياء؛ فالله تعالى: ليس كمثله شيء الشورى/11.

بل الواجب أن يُعلم أن كلَّ كمالٍ -لا نقص فيه بوجه- ثَبَتَ للمخلوق، فالخالق أولى به، وكلَّ نقص وجب نفيُه عن المخلوق، فالخالق أولى بنفيه عنه.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما قياس الأولى الذي كان يسلكه السلف اتباعا للقرآن، فيدل على أنه يثبت له من صفات الكمال التي لا نقص فيها، أكمل مما علموه ثابتا لغيره، مع التفاوت الذي لا يضبطه العقل، كما لا يضبط التفاوت بين الخالق والخلوق، بل إذا كان العقل يدرك من التفاضل الذي بين مخلوق ومحلوق ما لا يحصر قدره، وهو يعلم أن فضل الله على كل مخلوق أعظم من فضل مخلوق على مخلوق، كان هذا مما يبين له أن ما يثبت للرب أعظم مما يثبت لكل ما سواه بما لا يدرك قدره" انتهى، من "مجموع الفتاوى" (9/145).

ويقول أيضًا: "ومما يوضح هذا أن العلم الإلهي لا يجوز أن يستدل فيه بقياس تمثيل يستوي فيه الأصل والفرع، ولا بقياس شمولي تستوي فيه أفراده، فإن الله تعالى ليس كمثله شيء فلا يجوز أن يمثل بغيره ولا يجوز أن يدخل هو وغيره تحت قضية كلية تستوي أفرادها" انتهى، من "مجموع الفتاوى" (3/297).

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (382330).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب