السبت 18 شوّال 1445 - 27 ابريل 2024
العربية

كيف تحقق المرأة أجور الأعمال التي يختص بها الرجال؟

420161

تاريخ النشر : 30-07-2023

المشاهدات : 2994

السؤال

هناك أجور كثيرة للرجل فقط مثل: يكافؤ المؤذن مثل ثواب جميع الذين يصلون بعد الاستماع إلى أذانه للصلاة. الرجل الذي يخرج لصلاة الفريضة في الجماعة يكون له أجر حجة تامة، ومن خرج لصلاة النوافل له أجر العمرة التامة، ومن هذا المنطلق ينال الرجال أجر 5 حجات وعمرات يومياً. والرجل الذي صلى العشاء والفجر جماعة كأنه صلى الليل كله. والعديد من الأحاديث أكثر تحديدًا لثواب الرجال. فكيف يمكن للمرأة أن تحقق هذه الأجور؟ إذا كان هذا هو الحال، فستحصل النساء على أجر أقل يوم القيامة مقارنة بالرجال، وسيصل الرجال إلى مستوى أعلى في الجنة، أريد أيضًا تحقيق هذه الأجور؛ حتى أتمكن من الوصول إلى مستوى أعلى في الجنة.

الجواب

الحمد لله.

الأخت الكريمة

لا شك أن هذه الهمة العالية محمودة، ويكمل شأنها إن فقهت صاحبتها السبيل الصحيح لتحقيق المراد.

والنهح السليم الموصل إلى الدرجات العالية في الجنة يبدأ بالعلم الصحيح ثم العمل به.

وإذا فقهت المرأة حقيقة ما جاء به الوحي علمت بأن إدراك المرأة للدرجات العالية في الجنة، لا يلزمه مزاحمة الرجال فيما خصوا به من أحكام، فلم يكن هذا نهج أمهات المؤمنين والصحابيات رضوان الله عليهن أجمعين، وكنّ أحرص النساء على الخير والمسابقة والمنافسة في الأعمال الصالحة.

فمن تفقهت في دينها، علمت وتنبهت إلى أن شرائع الإسلام وشعب الإيمان العظيمة الأجر كثيرة ومتنوعة، وكثير منها يمكن للمرأة أن تقوم به دون أن تفارق بيتها ومخدعها.

كتلاوة القرآن، وككثير من الأذكار، ونوافل الطاعات من صيام وصلاة وصدقات.

وكذا من فقه هذا الدين علم أن المؤمن ترتفع منزلته بقدر رضا الله عنه ومحبته له.

وهذا لا يتحقق بمجرد كثرة الأعمال، وإنما بحسب تمام الإحسان فيها.

وذلك بإحسان ظاهرها بكمال الإتباع للنبي صلى الله عليه وسلم.

قال الله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ) آل عمران/31 - 32.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله وأحواله ..." انتهى من "تفسير ابن كثير" (2/32).

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:

" فقال ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ ) أي: ادعيتم هذه المرتبة العالية، والرتبة التي ليس فوقها رتبة فلا يكفي فيها مجرد الدعوى، بل لا بد من الصدق فيها، وعلامة الصدق اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله، في أقواله وأفعاله، في أصول الدين وفروعه، في الظاهر والباطن، فمن اتبع الرسول دل على صدق دعواه محبة الله تعالى، وأحبه الله وغفر له ذنبه، ورحمه وسدده في جميع حركاته وسكناته، ومن لم يتبع الرسول فليس محبا لله تعالى، لأن محبته لله توجب له اتباع رسوله، فما لم يوجد ذلك دل على عدمها وأنه كاذب إن ادعاها، مع أنها على تقدير وجودها غير نافعة بدون شرطها، وبهذه الآية يوزن جميع الخلق، فعلى حسب حظهم من اتباع الرسول يكون إيمانهم وحبهم لله، وما نقص من ذلك نقص " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 128).

وبكمال أعمال القلب في أداء هذه العبادات بكمال الإخلاص وكمال التصديق وكمال الرضا.

فبكمال تصديق المرأة للنبي صلى الله عليه وسلم، والصدق في اتباعه، وعدم الاعتراض، تنال المؤمنة مرتبة الصديقية التالية لمرتبة النبوة.

قال الله تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) النساء/69.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" فأما مراتب الكمال فأربع: النبوة والصديقية والشهادة والولاية، وقد ذكرها الله سبحانه في قوله: ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ) ..." انتهى من " مفتاح دار السعادة" (1/222).

فالصديقون هم أكمل المؤمنين.

قال ابن رجب رحمه الله تعالى:

" فأكمل الخلق من حقق متابعته وتصديقه قولا وعملا وحالا وهم الصديقون من أمته الذين رأسهم: أبو بكر - خليفته بعده - وهم أعلى أهل الجنة درجة بعد النبيين كما قال صلّى الله عليه وسلّم: ( إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر من الأفق من المشرق إلى المغرب لتفاضل ما بينهم. قالوا: يا رسول الله! تلك منازل الأنبياء ما يبلغها غيرهم، قال: إي والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين )" انتهى من "فتح الباري" (1/54).

والطريق إلى هذه المرتبة العالية يكون عبر التفقه في نصوص الوحي ثم العمل بها.

قال ابن رجب رحمه الله تعالى:

" لم يكن أكثر تطوع النبي صلى الله عليه وسلم وخواص أصحابه بكثرة الصوم والصلاة بل ببر القلوب وطهارتها وسلامتها وقوة تعلقها بالله خشية له ومحبة وإجلالا وتعظيما ورغبة فيما عنده وزهدا فيما يفنى.

وفي المسند عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنِّي لَأَعْلَمُكُمْ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ قَلْبًا).

قال ابن مسعود رضي الله عنه لأصحابه: " أنتم أكثر صلاة وصياما من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وهم كانوا خيرا منكم قالوا: ولم؟ قال: كانوا أزهد منكم في الدنيا وأرغب في الآخرة".

وقال بكر المزني: ما سبقهم أبو بكر بكثرة صيام ولا صلاة ولكن بشيء وقر في صدره، ....

وذكر لبعضهم شدة اجتهاد بني إسرائيل في العبادة، فقال: إنما يريد الله منكم صدق النية فيما عنده.

فمن كان بالله أعرف فله أخوف وفيما عنده أرغب فهو أفضل ممن دون في ذلك وإن كثر صومه وصلاته.

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: يا حبذا نوم الأكياس وفطرهم كيف يسبق سهر الجاهلين وصيامهم.

ولهذا المعنى كان فضل العلم النافع الدال على معرفة الله وخشيته ومحبته ومحبة ما يحبه وكراهة ما يكرهه، لا سيما عند غلبة الجهل " انتهى من "لطائف المعارف" (ص 563 – 564).

فالحاصل؛ أن السبيل لإدراك الدرجات العالية في الجنة يكون بالتفقه في نصوص الكتاب والسنة، و هذا يفتح لك الباب للعلم بأحسن أعمال الإيمان وأكثرها أجرا في كل وقت من أوقات حياتك، وكل لحظة من لحظات عمرك.

وبهذا أوصى الله تعالى أمهات المؤمنين وهن القدوة الصالحة لكل مؤمنة، حيث قال الله تعالى:

(وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) الأحزاب/34.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:

"ولما أمرهن بالعمل، الذي هو فعل وترك، أمرهن بالعلم، وبين لهن طريقه، فقال: ( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ) والمراد بآيات الله، القرآن. والحكمة، أسراره. أو سنة رسوله. وأمرهن بذكره، يشمل ذكر لفظه، بتلاوته، وذكر معناه، بتدبره والتفكر فيه، واستخراج أحكامه وحكمه، وذكر العمل به وتأويله" انتهى من "تفسير السعدي" (ص 664).

وهكذا، ينبغي على المرأة العاقلة، إذا رأت خصائص الرجال، وما خصهم الله به من جلائل الأعمال، أن تنظر في أمرين مهمين:

الأمر الأول: أن تدع هذه الخصائص، فلا تتطلع إليها، ولا تنشعل بها، فإن ذلك كله من قسمة الله جل جلاله، وتدبيره لأمر خلقه، وكل ميسر لما خلق له، ولا ينفعها تمني ما ليس لها، ولا الحسرة على فوات ما يقدر لها.

الأمر الثاني: أن تنظر فيما شرع الله لها، وندبها إليه من الأعمال، فتعمل به، وتأخذ بمجامعه، وتعلو همتها في طلب الأكمل، والأفضل منه. وهكذا فعل نساء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا أدبهن الله جل جلاله.

قال الله تعالى: ( وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) النساء/32

قال الشيخ السعدي، رحمه الله: " ينهى تعالى المؤمنين عن أن يتمنى بعضهم ما فضل الله به غيره من الأمور الممكنة وغير الممكنة. فلا تتمنى النساء خصائص الرجال التي بها فضلهم على النساء، ولا صاحب الفقر والنقص حالة الغنى والكمال تمنيا مجردا لأن هذا هو الحسد بعينه، تمني نعمة الله على غيرك أن تكون لك ويسلب إياها. ولأنه يقتضي السخط على قدر الله والإخلاد إلى الكسل والأماني الباطلة التي لا يقترن بها عمل ولا كسب.

وإنما المحمود أمران: أن يسعى العبد على حسب قدرته بما ينفعه من مصالحه الدينية والدنيوية، ويسأل الله تعالى من فضله، فلا يتكل على نفسه ولا على غير ربه. ولهذا قال تعالى: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا أي: من أعمالهم المنتجة للمطلوب. وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ فكل منهم لا يناله غير ما كسبه وتعب فيه.

وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ أي: من جميع مصالحكم في الدين والدنيا. فهذا كمال العبد وعنوان سعادته لا من يترك العمل، أو يتكل على نفسه غير مفتقر لربه، أو يجمع بين الأمرين فإن هذا مخذول خاسر.

وقوله: إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا فيعطي من يعلمه أهلا لذلك، ويمنع من يعلمه غير مستحق.". انتهى، من "تفسير السعدي" (176).

عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَرَى الجِهَادَ أَفْضَلَ العَمَلِ، أَفَلاَ نُجَاهِدُ؟ قَالَ: (لاَ، لَكِنَّ أَفْضَلَ الجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ). رواه البخاري (1520).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب