الحمد لله.
فضائل الأعمال عند الله تعالى إنما تعرف بالأدلة الشرعية، من نص أو إجماع، وأما المنامات إن صحت فليست دليلا شرعيا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
"... الاستحباب حكم شرعي فلا يثبت إلا بدليل شرعي، ومن أخبر عن الله أنه يحب عملا من الأعمال من غير دليل شرعي، فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله، كما لو أثبت الإيجاب أو التحريم.
ولهذا يختلف العلماء في الاستحباب كما يختلفون في غيره، بل هو أصل الدين المشروع.
وإنما مرادهم بذلك: أن يكون العمل مما قد ثبت أنه مما يحبه الله أو مما يكرهه الله بنص أو إجماع... " انتهى. "مجموع الفتاوى" (18 / 65).
وعند تعارض الحج والصدقة: يعرف المقدَّم منهما، والأحب إلى الله تعالى، بالنظر إلى الأدلة الشرعية، ولا يلتفت إلى الحكايات التي يتناقلها الناس.
والأدلة الشرعية تدل على أن الحج مقدم على صدقة التطوع، سواء كان الحج فرضا أم نافلة.
أما الفرض فواضح، فإنه ركن من أركان الإسلام، ومن أعظم الفرائض.
قال الله تعالى:
( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) آل عمران (97).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ) رواه البخاري (6502).
وأما حج التطوع فهو أفضل من صدقة التطوع، إلا أن يكون هناك سبب لتقديم الصدقة، كالصدقة على الأقارب، أو في الجهاد في سبيل الله، أو على قوم اشتدت بهم الحاجة، أو في مجاعة، أو لتعمير مسجد يحتاج إليه الناس وليس هناك من يعمره غيره، ونحو ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "والحج على الوجه المشروع: أفضل من الصدقة التي ليست واجبة.
وأما إن كان له أقارب محاويج، فالصدقة عليهم أفضل.
وكذلك إن كان هناك قوم مضطرون إلى نفقته.
فأما إذا كان كلاهما تطوعا، فالحج أفضل؛ لأنه عبادة بدنية مالية.
وكذلك الأضحية، والعقيقة: أفضل من الصدقة بقيمة ذلك.
لكن هذا بشرط أن يقيم الواجب في الطريق، ويترك المحرمات، ويصلي الصلوات الخـمس، ويصدق الحديث، ويؤدي الأمانة، ولا يعتدي على أحد" انتهى من الاختيارات (ص 172).
وقد نقلنا أقوال العلماء في ذلك جواب السؤال رقم (36875).
ومن عزم على حج التطوع، ثم عدل عنه إلى صدقة أكثر نفعا، فإنه يرجى له أن يأجره الله تعالى على عزمه.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: قَالَ: ( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ...) رواه البخاري (6491) ومسلم (131).
والله أعلم.
تعليق