الحمد لله.
أولًا:
الحمد الله الذي رزقك هذا الفيض الجميل من الصبر والرضا على الرغم من ألم تجربتك، ونسأل الله أن يربط على قلبك، وأن يحسن خاتمك وأن يعوضك في الجنة ما تقر به عينك.
ثانيًا:
في هذه المرحلة العمرية عادة ما تضعف العلاقات والصلات، ولا يتأثر بهذا غالب الناس، لأنهم يستغنون بالأسر التي انبثقت عن أسرتهم الأولى، مثل الأولاد وأزواج الأولاد وأبناء الأولاد، وهو ما فقدتيه بسبب الابتلاء الحاصل لك، فبالتالي فأنت تعانين من ضعف العلاقات المتوقع في هذه المرحلة العمرية، وتعانين من فقدان البديل أيضًا، وهذا شيء مؤلم بلا شك، ليس من السهل أن نتصور أثر هذا الألم عليك، أعانك الله وثبتك.
والسبيل هنا هو التحرك العمدي المقصود لبناء العلاقات في دائرتك المحيطة بك، عن طريق الانضمام لأعمال خيرية أو تجمعات إيمانية، مثل دروس علم أو حلقات قرآن، ونحن نعلم أن هذه المجتمعات تراجع وجودها وتأثيرها على أرض الواقع، لكنه لم ينعدم بالكلية، يحتاج لبعض البحث والمبادرة بالتطوع.
ثالثًا:
مشكلة اجترار الماضي وذكرياته هي في الحقيقة نتاج لمشكلة الفراغ السابقة، فالفراغ قابل لأن تتمدد فيه الأفكار السلبية، ووساوس اجترار الماضي.
لو لم يحصل لي كذا، ولو لم يصبني كذا، ولو لم أفعل كذا، ولو لم يفتني كذا، ولو لم أغلط في كذا.
بين اجترار الماضي وأماني المستقبل، كذلك الناس، هم أبدًا ليسوا هنا، وأبدًا ليسوا هناك، وأبدًا لا يعيشون الشيء الوحيد الذي يملكونه، أعني يومهم هذا.
يقول رسول الله: "إن لو تفتح عمل الشيطان" أخرجه مسلم(2664).
والشاعر يقول: ما مضى فات والمؤمل غيب ... ولك الساعة التي أنت فيها.
يظن أحدنا أنه سيتمكن من عيش حياته فقط عندما يحدث كذا، أو أنه كان ليعيشها لو لم يحدث كذا، بينما الحياة الوحيدة القابلة للعيش هي الآن وفقط، وما فات لا يعود، فاقبضي على ما هاهنا، وذوقي طعمه حتى ترضي.
هذه الأيام الباقية هي ربع الحياة الناضج الذي تصفو فيه الروح من رهق الحياة، وتسعد بالإقبال على ربها وقد خف ظهرها من أحمال هموم فترات الشباب والكهولة، فاغتنمي هذه السنوات بعمارتها بالطاعة والإقبال على الله، مع وجود تخطيط مقصود لإراحة نفسك وإجمامها وترفيهها، فالتوازن مهم جدًا لكي يستطيع الإنسان الاستمرار في أداء رسالة العبودية على أكمل وجوهها.
خططي لأوقات العبادة، وخططي لفرص عقد الصداقات والعلاقات، وخططي للاستمتاع ببعض وجوه الحياة وأنشطتها السارة التي ربما فاتتك في زحمة السنوات الماضية، املأي كفك من الحياة، وأقبلي عليها.
ومن الكتب التي قد تكون مفيدة، كتاب بعنوان: "متعة الحياة بعد سن التقاعد" من نشر دار الفاروق، وهو كتاب مفيد بعد التحفظ على بعض النقاط الناتجة عن كونه كتابًا غربيًا له منطلقات ثقافية وقيمية مختلفة، لكن معظم الكتاب مفيد، ومن السهل اكتشاف نقاط الاختلاف والاستفادة من نقاط التوافق فيه.
والله أعلم.
تعليق