الأربعاء 24 جمادى الآخرة 1446 - 25 ديسمبر 2024
العربية

صام يومين عن كفارة اليمين، ثم حلف يمينا على الشيء نفسه، فهل يكفيه صوم اليوم الثالث؟

426546

تاريخ النشر : 08-01-2024

المشاهدات : 4175

السؤال

لقد حلفت ألا أفعل شيئا ما، ثم فعلت هذا الشيء، وقلت: سوف أصوم ٣ أيام، وقد صمت يومين فقط، ولم أصم اليوم الثالث، وخلال ما يقارب الشهرين حلفت على نفس الشيء عدة مرات، وقمت بفعله، ولم أقم بصوم اليوم المتبقي بعد، وقد مر ما يقارب شهرين حتى الآن على آخر مرة صمت فيها اليومين، فهل أصوم اليوم المتبقي فقط، أم أصوم ٣ أيام أخرى؟ أنا عمري ١٦ عاما، لا أستطيع أن أطعم ١٠ مساكين، يعنى أصوم اليوم المتبقي فقط، أم يلزمني كفارة جديدة، وللعلم لا أتذكر عدد المرات التي حلفت فيها؟

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

التتابع في صيام الكفارة وما يقطعه

اختلف أهل العلم في وجوب التتابع في صيام كفارة اليمين على قولين، فذهب الجمهور إلى وجوب التتابع، إلا أن ينقطع لعذر يجيز الفطر في رمضان كالسفر والمرض، وذهب فريق من العلماء إلى أن التتابع مستحب.

قال ابن قدامة رحمه الله: " إن لم يجد إطعاما، ولا كسوة، ولا عتقا، انتقل إلى صيام ثلاثة أيام؛ لقول الله تعالى: فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام. وهذا لا خلاف فيه، إلا في اشتراط التتابع في الصوم.

وظاهر المذهب اشتراطه، كذلك قال إبراهيم النخعي، والثوري، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي. وروى ذلك عن على، رضى الله عنه. وبه قال عطاء، ومجاهد، وعكرمة.

وحكى ابن أبى موسى، عن أحمد، رواية أخرى، أنه يجوز تفريقها. وبه قال مالك، والشافعي في أحد قوليه؛ لأن الأمر بالصوم مطلق، فلا يجوز تقييده إلا بدليل...، ولأنه صيام أيام ثلاثة، فلم يجب التتابع فيه، كصيام المتمتع ثلاثة أيام في الحج" انتهى من "المغني" (13/528).

وجاء في الموسوعة الفقهية: " واختلف ‌الفقهاء ‌في ‌التتابع، فذهب الحنفية وهو الأصح عند الحنابلة، وهو قول للشافعية: إلى وجوب التتابع، للقراءة الشاذة لابن مسعود فصيام ثلاثة أيام متتابعات. وذهب المالكية - وهو قول للشافعية - إلى جواز صومها متتابعة أو متفرقة".. انتهى من "الموسوعة الفقهية الكويتية" (10/127).

‌‌قال ابن قدامة رحمه الله: " فإن لم يجد من هذه الثلاثة واحدا، أجزأه صيام ثلاثة أيام متتابعة.....، وإن أفطرت المرأة لمرض، أو حيض أو الرجل لمرض لم ينقطع التتابع".

انتهى من "المغني" (13/ 528-529).

وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "صيام الثلاثة أيام في كفارة اليمين هل تكون ‌متتابعة؟

 فأجاب رحمه الله تعالى: ...القول الراجح أنه لا بد أن تكون هذه الأيام ‌متتابعة لقراءة عبد الله بن ‌مسعود رضي الله عنه (فصيام ثلاثة أيام ‌متتابعة) ولكن لو فرق بينها لعذر مثل أن يصوم أول يوم ثم يحصل له مرض يشق عليه بالصوم فيفطر في اليوم التالي ثم يستأنف الصوم بعد زوال هذا المرض فلا حرج عليه لأن التتابع لا ينقطع إذا كان التفريق لعذر شرعي" انتهى من " فتاوى نور على الدرب للعثيمين" (21/ 2 بترقيم الشاملة).

ثانياً:

كفارة الأيمان المتعددة على شيء واحد

إذا حلفت على شيء واحد يمينا ثم حنثت، وأديت الكفارة، ثم حلفت مرة أخرى وفعلت الشي فتكفِّر كفارة ثانية.

إذا حلفت على شي واحد، وفعلته عدة مرات قبل أن تكفر، فتكفي كفارة واحدة، وتتحلل من يمينك، ولو فعلته فيما بعد مالم تحلف مرة أخرى.

قال ابن قدامة رحمه الله: "ومن حلف أيماناً كثيرة على شيء واحد، فحنث، لم يلزمه أكثر من كفارة؛ لأنها أسباب كفارات من جنس، فتداخلت، كالحدود" انتهى من "الكافي في فقه الإمام أحمد" (4/ 195).

وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: " أنا شاب حلفت بالله أكثر من ثلاث مرات على أن أتوب من فعل محرم، سؤالي: هل علي كفارة واحدة أم ثلاث، وما هي كفارتي؟

فأجاب: عليك كفارة واحدة، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام؛ لقول الله سبحانه: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) الآية من سورة المائدة/89، وهكذا كل يمين على فعل واحد أو ترك شيء واحد، ولو تكررت ليس فيها إلا كفارة واحدة، إذا كان لم يكفر عن الأولى منهما. أما إذا كان كفر عن الأولى ثم أعاد اليمين فعليه كفارة ثانية إذا حنث، وهكذا لو أعادها ثالثة وقد كفر عن الثانية فعليه كفارة ثالثة.

أما إذا كرر الأيمان على أفعال متعددة أو ترك أفعال متعددة فإن عليه في كل يمين كفارة، كما لو قال: والله لا أكلم فلانا، والله لا آكل طعاما، و الله لا أسافر إلى كذا، أو قال: والله لأكلمن فلانا، والله لأضربنه، وأشباه ذلك.

والواجب في الإطعام لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد وهو كيلو ونصف تقريبا.

وفي الكسوة ما يجزئه في الصلاة كالقميص أو إزار ورداء. وإن عشاهم أو غداهم كفى ذلك؛ لعموم الآية الكريمة المذكورة آنفا. والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (23/ 145).

وسواء قلنا بوجوب التتابع في كفارة اليمين، أو قلنا باستحبابه فقط، فإن اليومين اللذين صمتهما، ثم لم تكمل الكفارة، لا عبرة بهما في كفارة الأيمان التي وقعت صومهما؛ فإن اليمين هو سبب وجب الكفارة؛ فإذا تقدمت الكفارة على سببها، وقعت لاغية ولم يعتد بها.

قال ابن رجب رحمه الله تعالى: " العبادات كلها -سواء كانت بدنية، أو مالية، أو مركبة منهما- لا يجوز تقديمها على سبب وجوبها، ويجوز تقديمها بعد سبب الوجوب وقبل الوجوب، أو قبل شرط الوجوب.

ويتفرع على ذلك مسائل كثيرة .. " ثم ذكر طائفة منها. انظر: "قواعد ابن رجب" (1/24) وما بعدها.

قال الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله في تعليقه على هذا الموضع من "القواعد":

" معنى هذه القاعدة: إنَّ العبادات لها أسباب وشروط؛ فهل يجوز أن تقدَّم العبادات على أسبابها؟

الجواب: لا، لأنَّ السبب هو الموجب، ولهذا كان تعريفه: هو الذي يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم.

فتقديم العبادة قبل وجود سببها: لا يصح.

منها: لو صلى الصَّلاة قبل وقتها لا تصح، ولو قدّم الزكاة قبل أن يتم النصاب لم يصح؛ لأن السبب في وجوب الزكاة ملك النصاب.

ولكن تقديم العبادة عن شرط الوجوب جائز؛ مثل: يشترط لصحة الصلاة الوضوء، فله أن يقدّم الوضوء على إرادة الصلاة، مع أن الوضوء لا يجب إلا بعد إرادة الصلاة.

ورجل أخرج كفارة اليمين قبل أن يحلف، قال: أنا أحلف أن لا أكلم فلانًا، لكن أريد أن أخرج الكفارة حتى إذا حنثت أكون قد كفرت؛ لم يجز، ولو أنه حلف أنْ لا يكلم فلانًا، قال: أُخرج الكفارة قبل أن أكلمه؛ جاز؛ لأن الأول أدى العبادة قبل سببها، والثاني قبل شرط وجوبها.

وكذلك تقديم الزكاة قبل النصاب فغير جائز، ولكن قبل حولان الحول فجائز." انتهى.

وينظر أيضا للفائدة: "منظومة أصول الفقه وقواعده" وشرحها، للشيخ ابن عثيمين، رحمه الله (142-145).

وخلاص ما سبق:

أن صيام يومين من ثلاثة: لا يعد كفارة تامة، فينطبق عليك أنك حلفت أيمانا، ولم تكفر، فتكفيك كفارة واحدة، فتصوم الآن ثلاثة أيام.

وإن أردت أن تصوم يوما إكمالا للكفارة الأولى، ثم تكفر عن الأيمان اللاحقة كفارة أخرى، فلك ذلك.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب