الحمد لله.
أولًا :
مقصود ابن قدامة رحمه الله بقوله : "ولأن وسط الصف موقف للإمام في حق النساء والعراة"، أنه أراد أن يستدل بذلك على صحة صلاة المأموم إذا وقف عن يسار الإمام ، وكان عن يمين الإمام مأموم آخر ، فقال بصحة الصلاة لأن الإمام حينئذ يكون في وسط الصف، وصلاة الإمام في وسط الصف جاء الشرع بجوازها في بعض الحالات ، كما في إمامة المرأة للنساء، وصلاة العراة، فإن إمامهم يقف وسطهم ولا يتقدمهم .
هذا معنى كلامه رحمه الله .
وقد روى عبد الرزاق (5087) " أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها كَانَتْ تَؤُمُّ النِّسَاءَ فِي التَّطَوُّعِ، تَقُومُ مَعَهُنَّ فِي الصَّفِّ" قال النووي: سنده صحيح، "نصب الراية" (2/31). وصححه ابن حجر العسقلاني في "المطالب العالية" (3/654).
وليس مقصوده أن الرجل إذا صلى بالنساء وقف وسطهن ، بل يقف أمامهن ، حتى إذا لم يكن معه إلا امرأة واحدة فإنها تقف خلفه .
ثانياً:
أما صلاة العراة ، فقد اتفق الفقهاء على أنه يجب على المسلم ستر عورته في الصلاة، حال القدرة، فإذا عجز عن ذلك، صلى بما تيسر من الثياب، فإن عدم الثياب صلى عريانا، ولا تسقط الصلاة عمن فقد ما يستر به عورته ، ولا تؤخر عن وقتها، وهذا هو مراد ابن قدامة رحمه الله، أي : صلاة العراة عند العذر، وعدم تمكنهم من الثياب.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (30/69):
"ذهب جمهور الفقهاء: (الحنفية والشافعية، والحنابلة، وهو المشهور عند المالكية) إلى أن ستر العورة شرط لصحة الصلاة، وعبر بعضهم بأنه فرض، فلا تصح الصلاة دونه، أي عريانا.
ولا فرق في ذلك بين من يصلي منفردا أو بجماعة، في خلوة أو بين الناس، في ضوء أو في ظلام.
وهذا الشرط لمن يكون قادرا على ستر العورة، وواجدا للثياب ...
وإذا لم يجد المصلي ما يستر به عورته، فاتفق الفقهاء على أنه يجب عليه أن يصلي عريانا؛ لأن اشتراط الستر في صحة الصلاة مقيد بالقدرة، وهو عاجز عنه" .
ومراد ابن قدامة رحمه الله بقوله: "ولأن وسط الصف موقف للإمام في حق ...العراة" : أن إمام العراة يكون في وسط الصف، ولا يتقدمهم ، وقد بيّن هذا في موضع آخر بقوله: "فإن صلى جماعة عراة، كان الإمام معهم في الصف وسطا". وعلل ذلك بقوله: " ليكون أستر له-أي للإمام-، وأغض لأبصارهم عنه" انظر: "المغني" (2/318-3320).
والله أعلم.
تعليق