الحمد لله.
أولا:
هذا الحديث رواه الإمام أحمد في "المسند" (24/48)، قال: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ -عبد القدوس بن حجاج الخولاني -:
وابن أبي عاصم في "السنة" (2/ 521)، قال: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ:
وابن عدي في "الكامل" (6 / 282)، قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الهيثم، حَدَّثَنا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا القاسم بن يزيد الجرمي، حَدَّثَنا صَدَقَةُ الدِّمَشْقِيُّ:
كلهم (أبو المغيرة، وبقيّة، وصدقة):
عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرو، قال: حَدَّثَنِي شُرَيْحُ بْنُ عُبَيْدٍ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ: قَالَ عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ لِهِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ: أَلَمْ تَسْمَعْ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِذِي سُلْطَانٍ فَلَا يُبْدِهِ عَلَانِيَةً، وَلَكِنْ يَأْخُذُ بِيَدِهِ فَيَخْلُوا بِهِ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ، وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ ).
وفي سنده شُرَيْحُ بْنُ عُبَيْدٍ الْحَضْرَمِيُّ، ولم يرد نص عن الأئمة يثبت سماعه من عياض وهشام.
قال الهيثمي رحمه الله تعالى:
" رواه أحمد، ورجاله ثقات؛ إلا أني لم أجد لشريح من عياض وهشام سماعا، وإن كان تابعيا " انتهى من "مجمع الزوائد" (5 / 229).
وقد نص بعض الأئمة على عدم سماعه من بعض الصحابة، ممن تأخرت وفاتهم عن وفاة عياض وهشام.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" وقال ابن أبي حاتم في "المراسيل" عن أبيه: لم يدرك أبا أمامة، ولا المقدام، ولا الحارث بن الحارث، وهو عن أبي مالك الأشعري مرسل انتهى.
وإذا لم يدرك أبا أمامة الذي تأخرت وفاته، فبالأولى أن لا يكون أدرك أبا الدرداء، وإني لكثير التعجب من المؤلف - المزي- كيف جزم بأنه لم يدرك من سمّى هنا، ولم يذكر ذلك في المقداد، وقد توفي قبل سعد بن أبي وقاص، وكذا أبو الدرداء، وأبو مالك الأشعري، وغير واحد ممن أطلق روايته عنهم، والله الموفق " انتهى من "تهذيب التهذيب" (2/162).
وقد ورد هذا الخبر أيضا من طرق، بزيادة راو بين شريح وعياض، وهذا الراوي هو جُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ.
فرواه ابن أبي عاصم في "السنة" (2/ 522)، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حدثنا أَبِي، عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ زُرْعَةَ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: قَالَ جُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ: قَالَ عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ لِهِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ: أَوَ لَمْ تَسْمَعْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِذِي سُلْطَانٍ فِي أَمْرٍ فَلَا يُبْدِهِ عَلَانِيَةً، وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بِيَدِهِ، فَيَخْلُو بِهِ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ، وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ لَهُ).
وفي إسناده مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بن عياش، وهو متكلم فيه، ولم يسمع من أبيه.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" محمد بن إسماعيل بن عياش الحمصي.
قال أبو داود: لم يكن بذاك.
وقال أبو حاتم الرازي: لم يسمع من أبيه شيئا " انتهى من "ميزان الاعتدال" (3/481).
ورواه ابن أبي عاصم في "السنة" (2/522)، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، حدثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ:
والبخاري في "التاريخ" (7/18)، قَالَ: قال إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم بْن العلاء، أخبرنا عَمْرو بْن الحارث:
والطبراني في "المعجم الكبير" (17/367)، قال: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ زِبْرِيقٍ الْحِمْصِيُّ، حدثَنَا أَبِي ح، وَحَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ وَثِيمَةَ الْمِصْرِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْعُتْبِيُّ، قَالَا: حدثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ زِبْرِيقٍ الْحِمْصِيُّ، حدثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ:
والحاكم في "المستدرك" (3/290)، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَغْدَادِيُّ، فِيمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، حدثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ، حدثَنَا عَمْرُو بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ زُبرَيْقٍ الْحِمْصِيُّ، حدثَنَا أَبِي، حدثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ:
كلاهما - عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ -: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ فَضَالَةَ، يَرُدُّهُ إِلَى ابْنِ عَائِذٍ، يَرُدُّهُ ابْنُ عَائِذٍ إِلَى جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ غَنْمٍ، قَالَ لِهِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ: أَلَمْ تَسْمَعْ يَا هِشَامُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ يَقُولُ: ( مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ نَصِيحَةٌ لِذِي سُلْطَانٍ، فَلْيَأْخُذْ بِيَدِهِ فَلْيَخْلُو بِهِ، فَإِنْ قَبِلَهَا قَبِلَهَا، وَإِنْ رَدَّهَا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ).
وقال الحاكم:
" هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ " وعقّب عليه الذهبي بقوله:
" ابن زبريق: واه ".
وقال في "المغني":
" إسحاق بن إبراهيم بن زبريق الحمصي عن بقية.
قال أبو حاتم: لا بأس به. وأما أبو داود فقال: ليس بشيء. وقال النسائي: ليس بثقة... " انتهى. "المغني" (1/69).
لكن قيّد النسائي ضعفه بروايته عن عمرو بن الحارث، كما في "تاريخ دمشق" (8/109).
فتكون هذه الرواية من ضعيف حديثه أيضا؛ حيث يرويها عن عمرو بن الحارث.
وأما إسناد ابن أبي عاصم وإن لم يكن فيه إسحاق بن إبراهيم، إلا أنه يرجع إليه؛ لأن في إسناده عبد الحميد بن إبراهيم ، وقد ذكروا أنه كان يلقَّن كتاب إسحاق بن إبراهيم فيحدث به.
قال ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى:
" عبد الحميد بن إبراهيم الحضرمي الحمصى أبو تقي، روى عن عبد الله بن سالم صاحب محمد بن الوليد الزبيدي، روى عنه محمد بن عوف...
سألت محمد بن عوف الحمصي عنه، فقال: كان شيخا ضريرا لا يحفظ ، وكنا نكتب من نَسْخِه الذى كان عند إسحاق بن زبريق، لابن سالم، فنحمله إليه، ونلقنه، فكان لا يحفظ الإسناد ويحفظ بعض المتن فيحدثنا ، وإنما حملنا الكتاب [كذا] عنه شهوة الحديث، وكان إذا حدث عنه محمد بن عوف قال : وجدت في كتاب ابن سالم، حدثنا به أبو تقي...
سمعت أبي: ذُكر أبو تقي عبد الحميد بن إبراهيم، فقال: كان في بعض قرى حمص فلم أخرج إليه، وكان ذَكر أنه سمع كتب عبد الله بن سالم عن الزبيدى إلا أنها ذهبت كتبه، فقال لا أحفظها... فلم يزالوا به حتى لان، ثم قدمت حمص بعد ذلك بأكثر من ثلاثين سنة، فإذا قوم يروون عنه هذا الكتاب، وقالوا : عرض عليه كتاب ابن زبريق، ولقنوه فحدثهم بهذا.
وليس هذا عندي بشيء ، رجل لا يحفظ ، وليس عنده كتب " انتهى من "الجرح والتعديل" (6 / 8).
ورواه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" (4/ 2162)، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّادٍ، ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الضَّحَّاكِ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ زُرْعَةَ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: قَالَ جُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ:... فَقَالَ عِيَاضٌ لِهِشَامٍ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِذِي سُلْطَانٍ بِأَمْرٍ فَلَا يُبْدِهِ لَهُ عَلَانِيَةً، وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بِيَدِهِ فَيَخْلُو بِهِ، فَإِنْ كَانَ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ، وَإِلَّا قَدْ كَانَ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ ).
لكن في إسناده عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الضَّحَّاكِ: وهو متروك، ومتهم بسرقة الحديث.
قال ابن حبان رحمه الله تعالى:
" عبد الْوَهَّاب بن الضَّحَّاك العرضي من أهل حمص كنيته أَبُو الْحَارِث السلمي، يروي عن إسماعيل بن عياش والشاميين أخبرنا عنه شيوخنا، كان يسرق الحديث ويرويه، ويجيب فيما يسأل ويحدث بما يقرأ عليه ، لا يحل الاحتجاج به ولا الذكر عنه إلا على جهة الاعتبار " انتهى من "المجروحين" (2/ 147 - 148).
وقال الذهبي رحمه الله تعالى:
" عبد الْوَهَّاب بن الضَّحَّاك الْحِمصِي العرضي، مُتَّهم تَرَكُوهُ " انتهى من "المغني" (2 / 412).
وقد رأى الشيخ الألباني رحمه الله تعالى أن الطرق السابقة في "السنة" يقوي بعضها بعضا، فلذا صحّح الحديث كما في "ظلال الجنة" (2/ 522).
وإلى نحو هذا مال محققو المسند، فقالوا: حسن لغيره.
ثانيا:
الحديث المذكور، وإن كانت أسانيده لا تخلو من مقال إلا أن معناه صحيح .
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:
" والحديث الضعيف لا يُدفع، وإن لم يحتج به، ورب حديث ضعيف الإسناد صحيح المعنى " انتهى من "التمهيد" (1 / 58).
والغالب أن المجاهرة بالإنكار على ولي الأمر تؤدي إلى تهييج الشر والفتن ، فكان المشروع الإنكار عليه ووعظه سرًّا .
روى البخاري (3267)، ومسلم (2989)، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: ( قِيلَ لَهُ: أَلَا تَدْخُلُ عَلَى عُثْمَانَ فَتُكَلِّمَهُ؟ قَالَ: إِنَّكُمْ لَتُرَوْنَ أَنِّي لاَ أُكَلِّمُهُ إِلَّا أُسْمِعُكُمْ، إِنِّي أُكَلِّمُهُ فِي السِّرِّ دُونَ أَنْ أَفْتَحَ بَابًا لاَ أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ ... ).
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى:
" قوله: ( دُونَ أَنْ أَفْتَحَ بَابًا لاَ أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ ) يعنى في المجاهرة بالنكير والقيام بذلك على الأمراء، وما يُخشى من سوء عقباه، كما تولد من إنكارهم جهارًا على عثمان بعد هذا، وما أدى إلى سفك دمه واضطراب الأمور بعده.
وفيه التلطف مع الأمراء، وعرض ما ينكر عليهم سراً، وكذلك يلزم مع غيرهم من المسلمين ما أمكن ذلك، فإنه أولى بالقبول وأجدر بالنفع، وأبعد لهتك الستر وتحريك الأنفة " انتهى من "إكمال المعلم" (8/538).
وقد مضى أئمة السنة على عدم الجهر بالنصيحة لولاة الأمور ولا للعوام، بل إذا أرادوا نصح أحد نصحوه سرا.
قال ابن رجب رحمه الله تعالى:
" وكان السلف أذا أرادوا نصيحة أحد، وعظوه سرا حتى قال بعضهم: من وعظ أخاه فيما بينه وبينه، فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما وبخه" انتهى من "جامع العلوم والحكم" (1/225).
وإسرار النصيحة لولي الأمر يساهم في قبولها، ويدفع المفاسد التي عادة ما تحدث بإعلان النصح والجهر به بين الناس.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" ومن دقيق الفطنة: أنك لا ترد على المطاع خطأه بين الملأ، فتحمله رتبته على نصرة الخطأ. وذلك خطأ ثان، ولكن تلطف في إعلامه به، حيث لا يشعر به غيره " انتهى من "الطرق الحكمية" (1/103).
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:
" ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة، وذكر ذلك على المنابر؛ لأن ذلك يفضي إلى الفوضى وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف: النصيحة فيما بينهم وبين السلطان، والكتابة إليه، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجهه إلى الخير.
أما إنكار المنكر بدون ذكر الفاعل: فينكر الزنا، وينكر الخمر، وينكر الربا من دون ذكر من فعله، فذلك واجب؛ لعموم الأدلة.
ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها، من غير أن يذكر من فعلها لا حاكما ولا غير حاكم.
ولما وقعت الفتنة في عهد عثمان رضي الله عنه: قال بعض الناس لأسامة بن زيد رضي الله عنه: ألا تكلم عثمان؟ فقال: إنكم ترون أني لا أكلمه، إلا أسمعكم؟ إني أكلمه فيما بيني وبينه دون أن أفتتح أمرا لا أحب أن أكون أول من افتتحه ... " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (8 / 210 – 211).
والله أعلم.
تعليق