الحمد لله.
أولًا:
سبق لنا الجواب مفصلًا في مسألة منع الأم أو الأب لأبنائهما من الفرائض، كصلاة الجماعة في المسجد كما في سؤالك، أو منعهما لأبنائهما من المستحبات كأداء الأذان والإقامة، وانظر ذلك في جواب السؤال رقم: (174831 )، والسؤال رقم: (60259 ).
ثانيًا:
إذا استقر لديك الحكم الشرعي في سؤالك، وعلمت أنه لا يجوز بحال طاعة والدتك في مسألة الصلاة في المسجد، وأنه لا يحق لها منعك من المستحبات – كذلك – على وجه الإلزام لك بترك ذلك، وفهمت أيضا أنك لو أطعتها في بعض ذلك لا تأثم؛ فسوف يساعدنا ذلك على أن نشرح لك مسألة مهمة جدًا، وهي:
أنه من المهم أن تكون واعيًا لدوافع والدتك، فهي غالبًا تخشى عليك بعض الضرر، مع صغر سنك، أيا ما كان نوع هذا الضرر!! فلا مصلحة لها ، ولا معنى يدفعها لذلك السلوك إلا الخوف الزائد عليك من ضرر ما ، من وجهة نظرها .
ومع تقديرنا أن هذا الضرر ، في الحقيقة ، غالبا ما يكون بعيد الوقوع ؛ إلا أن الأم بعاطفتها القوية ، لا تستطيع تقدير بعض احتماليات الضرر.
وهذا الفهم لدوافع والدتك لن يغير موقفك الشرعي السابق شرحه من الواجبات الشرعية ؛ لكنه يساعدك على أن تتعاطف معها ، وترفق بها ، وتخاطبها بالتي هي أحسن ، وتحاول سياستها لترضيها، ولا تعصي ربك!! فوالدتك تحتاج أن تشعر أنك تفهمها وتفهم دوافعها وتطيعها ولو في بعض الأمر دون بعض.
ومن هذا المنطلق نقترح عليك أن تطيعها مثلا في مسألة الأذان والإقامة ، على الأقل في بعض الأحيان ، كنوع من التفاوض معها، والوصول إلى وضع مرض للطرفين .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "ويستحب للرجل أن يقصد إلى تأليف القلوب بترك هذه المستحبات، لأن مصلحة التأليف في الدين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا" انتهى، من "مجموع الفتاوى" (22/407).
وأنت في ذلك تختار ألطفَ عبارة، وتظهر لوالدتك أنك تتفهم خوفها عليك، وتحاول طمأنتها، وتستعين بمن يمكن أن يؤثر عليها.
والمقصود من هذا كله: أن تقيم الشرع الواجب عليك، من غير أن يتحول الأمر إلى معركة تزيد الجفوة بينك وبين والدتك؛ فليس هذا من مقاصد الدين، ولا هو من مصلحتك أيضا، لا في دين، ولا دنيا.
وبلا شك القيام بهذا النوع الدقيق من السياسة لوالدتك لن يكون سهلًا عليك، لكنك في سنك هذا، مع حرصك على العبادة، وطاعة والدتك: تبدو لنا على درجة من النضج تساعدك على بداية هذا الطريق من الموازنة بين المصالح، وقد لا تنجح في كل المواقف، لكنك ستتعلم مع الوقت كيف تتعامل مع مثل هذه المواقف الحرجة.
ونسأل الله لك دائمًا التوفيق، وأن يشرح صدر والدتك لما فيه صلاح الدين والدنيا.
والله أعلم
تعليق