الأحد 19 شوّال 1445 - 28 ابريل 2024
العربية

ما حكم دعاء: " اللهم عامله بعدلك لا برحمتك "؟

434218

تاريخ النشر : 03-05-2023

المشاهدات : 3998

السؤال

ما حكم قول "اللهم عامله بعدلك لا برحمتك"؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

الدعاء بهذا ونحوه إنما يقصد به الدعاء بالعقاب والعذاب؛ لأن العبد لا يخلو من زلات، فلو حاسبه عليها الله تعالى بعدله، لعاقبه.

ويشير إلى هذا ما رواه أبو داود (4699)، وابن ماجه (77) عَنِ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ، قَالَ: " أَتَيْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، فَقُلْتُ لَهُ: وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنَ الْقَدَرِ، فَحَدِّثْنِي بِشَيْءٍ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُذْهِبَهُ مِنْ قَلْبِي، قَالَ: لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ عَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَلَوْ أَنْفَقْتَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا قَبِلَهُ اللَّهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَلَوْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا لَدَخَلْتَ النَّارَ، قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَحَدَّثَنِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ".

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" قوله فيمن عاقبهم: ( وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ) وقوله: ( وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ ) بين أن عقاب المجرمين عدل لذنوبهم، لا لأنا ظلمناهم فعاقبناهم بغير ذنب.

والحديث الذي في السنن: " ( لو عذب الله أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم لكانت رحمته لهم خيرا من أعمالهم): يبين أن العذاب لو وقع لكان لاستحقاقهم ذلك؛ لا لكونه بغير ذنب.

وهذا يبين أن من الظلم المنفي عقوبة من لم يذنب " انتهى. "مجموع الفتاوى" (18 / 143).

ثانيا:

الدعاء على الغير بالعذاب إن كان على وجه المقابلة لظلم، واعتداء حصل منه، فمشروع للمظلوم أن ينتصر لنفسه بالدعاء على ظالمه، لكن من غير اعتداء.

كما قال الله تعالى: ( لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا ) النساء/148.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:

" وقوله: ( إِلا مَن ظُلِمَ ) أي: فإنه يجوز له أن يدعو على من ظلمه ويتشكى منه، ويجهر بالسوء لمن جهر له به، من غير أن يكذب عليه ولا يزيد على مظلمته، ولا يتعدى بشتمه غير ظالمه " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 212).

وكما في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى اليَمَنِ، فَقَالَ: ( اتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ ) رواه البخاري (2448)، ومسلم (19).

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" أما دعوة المظلوم فمعناها إذا ظلمك أحد ... فإذا دعوت الله عليه استجاب الله دعاءك، حتى ولو كان المظلوم كافرا وظلمته ثم دعا الله عليك، استجاب الله دعاءه، لا حبا للكافر ولكن حبا للعدل، لأن الله حكم عدل، والمظلوم لابد أن ينصف له من الظالم، ولهذا لما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن قال له: ( اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ).

فالمظلوم دعوته مستجابة إذا دعا على ظالمه بمثل ما ظلمه أو أقل، أما إن تجاوز فإنه يكون معتديا فلا يستجاب له " انتهى من "شرح رياض الصالحين" (4 / 615 – 616).

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : ( كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقَالَ: ‏ مَلأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا ، كَمَا شَغَلُونَا عَنْ صَلاَةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ ) رواه البخاري (6396).

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني:

" ... وأنه صلى الله عليه وسلم كان تارة يدعو عليهم وتارة يدعو لهم، فالحالة الأولى حيث تشتد شوكتهم ويكثر أذاهم ... والحالة الثانية حيث تؤمن غائلتهم ويرجى تألفهم كما في قصة دوس " انتهى من "فتح الباري" (6/108).

ثالثا:

يتبين بما سبق: أن دعاء المرء على من ظلمه: أن يعامله الله بعدله، هو من الدعاء المباح له، لأنه ليس فيه اعتداء على الظالم، ولا عدوان في الدعاء على أحد، بل هو نوع من الانتصار المرخص فيه. قال الله تعالى: ( وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) الشورى/42-43

وقد ترجم الإمام النووي، رحمه الله في "الأذكار": "باب: جواز الدعاء على من ظلم المسلمين، أو ظلمه وحده".

قال ابن علان، رحمه الله في "شرحه": "ومحل جواز الدعاء على الظالم أن يكون بحسب ما ظلم به وإلا كان متعديًا وذلك بأن يقول: اللهم انتقم منه أو عامله بعدلك أو نحوه". "الفتوحات الربانية" (6/202).

وذكر الشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد، رحمه الله في كتابه: "معجم المناهي اللفظية"، ترجمة بعنوان:

" الله يعاملنا بعدله، جاء فيها:

"في ترجمة الشيخ عبد العزيز بن علي بن موسى النجدي المتوفى سنة (1344هـ) - رحمه الله تعالى -: (أن الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود - رحمه الله تعالى - زار الشيخ المذكور، فتكلم الملك في أناس إلى أن قال: الله يعاملنا وإياهم بعدله : فنبهه الشيخ أن يقول بدل: عدله بفضله وعفوه فشكره الملك عبد العزيز على ذلك) انتهى.

والحاصل:

أنه لا حرج على من دعا على من ظلمه، أو ظلم المسلمين، عامة أو خاصة، بمثل هذا الدعاء.

وأما الدعاء على مسلم من غير جناية تستوجبه: فلا يجوز له، بل المشروع للعبد أن يستغفر لذنبه وللمؤمنين والمؤمنين، وأن يدعو بالرحمة لعامة المؤمنين، وخاصتهم.

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (382197)، ورقم: (258248)، ورقم: (71152).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب