الثلاثاء 23 صفر 1446 - 27 اغسطس 2024
العربية

إنتماء العجم للعرب، وهل الشام من العرب؟

435132

تاريخ النشر : 13-05-2023

المشاهدات : 7083

السؤال

أعلم أن الانتماء والهوية الإسلامية فوق كل شيء، ولا فرق بين العرب والعجم، لكن أصبح السؤال أكثر أهمية خاصة في الوقت الأخير، ظهرت بعض الفتن مثل: سوري يقول: إنه فينيقي، وهذا يقول: إنه فرعوني، وذلك بعدما تكلم شخص في أرض الحجاز أن عرب الشمال هم: شتات روماني، وشتات يوناني وليسوا عربا، كنت أناقش أحد أصحابي بأن أصول بلاد الشام عرب قديما، وقلت له: إن لم تكن عربيا من حيث الأصل، فنحن مثل الرسول صلى الله عليه وسلم من نسل أعجمي، فكلنا من العرب المتسعربة، إذن نحن عرب. وهذا بالتحديد ما أريد أن أسأل عنه، فبعدما قلت ذلك، أرت التأكد إذا لم يكن بعض سكان بلاد الشام من العرب، فهل من الممكن أن يكونوا مثل الرسول صلى الله عليه وسلم من العرب المستعربة، ويحسبون أنفسهم على العرب؛ لأنهم لا يجيدون غير العربية، وتربوا من آلاف السنين على اللغة العربية، والثقافة العربية، والروح العربية، والانتماء للعرب، والطباع العربية. فهل يمكن أن يكن أي شخص من أصل روماني أو أي أصل عجمي أن يسمى بأنه من العرب المستعربة مثل الرسول صلى الله عليه وسلم، أم إنهم عجم، ولا يحسبون على العرب؟

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

كما تفضلت وذكرت أخي الكريم في سؤالك فإن الذي ينفع العبد في دنياه وأخراه هو عمله ولا يغني عنه نسبه شيئًا إن فسد هذا العمل، وهذه حقيقة نؤكد عليها رغم انتباهك إليها لمزيد من التأصيل لها.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى) أخرجه أحمد(23489)، وقال الحافظ البوصيري في "إتحاف المهرة" (3/64): "رجاله ثقات".

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (يا مَعْشَرَ قريشٍ! اشْتَرُوا أنفسَكم من اللهِ، لا أُغْنِي عنكم من اللهِ شيئًا، يا بني عبدِ مَنَافٍ! اشْتَرُوا أنفسَكم من اللهِ، لا أُغْنِي عنكم من اللهِ شيئًا، يا عباسُ بنَ عبدِ المُطَّلِبِ! لا أُغْنِي عنكَ من اللهِ شيئًا، يا صفيةُ عَمَّةَ رسولِ اللهِ! لا أُغْنِي عنكِ من اللهِ شيئًا، يا فاطمةُ بنتَ مُحَمَّدٍ! سَلِينِي من مالي ما شِئْتِ لا أُغْنِي عنكِ من اللهِ شيئًا) أخرجه البخاري(2753)، ومسلم (206).

ثانيًا:

سبق لنا في جواب السؤال رقم: (111121) ذكر أقسام العرب البائدة والعاربة والمستعربة فنرجو مراجعته.

ثالثًا:

العربية نوعان، عربية العرق والنسب، وعربية اللسان والثقافة، فعرب العرق والنسب هم من ثبت نسبهم إلى قبيلة من القبائل العربية القحطانية العاربة، أو العدنانية المستعربة، الذين يرجع نسبهم إلى إسماعيل عليه الصلاة والسلام.

أما عرب اللسان والثقافة: فهم سائر سكان البلاد العربية، وهي بلاد الجزيرة العربية، والبلدان التي فتحها المسلمون، فاستقرت فيها العربية لسانًا وثقافة، ولم تخرج منها إلى يومنا هذا، لكنهم ليس لهم نسب محفوظ إلى واحدة من القبائل العربية السابق ذكرها، وهؤلاء ليسوا أعاجم اللسان والثقافة، فهؤلاء لغتهم الأصلية التي نشأوا عليها هي العربية، والعربية هي ثقافتهم التي نشأوا عليها، لكنهم لا يحفظون نسبهم لواحدة من هذه القبائل، فمنهم من قد يكون له نسب لهذه القبائل لكن لا سبيل للعلم به، ومنهم من ينحدر من نسل الأمم التي كانت تسكن مصر والشام والعراق ونحوها قبل أن يفتح الإسلام هذه البلاد.

هل يقال إنهم عرب مستعربة كالنبي عليه الصلاة والسلام؟

قد يقال: نعم؛ نوع شبه بينهم وبين العرب المستعربة من حيث إن لسان أجدادهم لم يكن عربيًا، وكذلك لسان أجداد إسماعيل عليه السلام، لكن من الناحية الاصطلاحية لا يمكن القول بأنهم عرب مستعربة؛ لأن العرب المستعربة تحفظ أنسابها وصولًا لإسماعيل الذي تزوج من القبائل العربية الأصيلة، وولد له من ذلك الزواج العرب المستعربة، وهذا لا يوجد في هؤلاء.

يبقى أمر مهم: وهو أن كثيرًا من الباحثين يرون أن الحضارات القديمة التي نشأت في مصر والشام والعراق ونحوها، قد أنشأها مهاجرون من الجزيرة العربية، فأصل الفراعنة والفينيقيين عرب من الجزيرة، ولهم على هذا القول أدلة وشواهد كثيرة يمكنك مراجعتها في كتاب: "تاريخ الجنس العربي" لمحمد عزة دروزة.

وعلى هذا القول يزداد التداخل في مفهوم العرب والعجم، بشكل يجعل البحث في هذه المسألة مشتبكا، يعسر تخليص أطرافه. مع أن نفس الخوض فيها: قليل الفائدة، لا ينبني عليه كبير شيء. ويكفي فيه فقط الإقرار بالتشابك الموجود فيها، وتمايز من يحفظون أنسابهم عن غيرهم، وعدم القطع بأن الذين لا يحفظون أنسابهم ليسوا من أرومة العرب؛ فهم مع عربية لسانهم وثقافتهم، توجد احتمالات قوية أن لهم أصولًا عربية، سواء كانت هذه الأصول ترجع للعرب الفاتحين، أو ترجع للعرب المهاجرين الذين أنشأوا هذه الحضارات القديمة أول الأمر.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب