الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

هل يجوز تعليق التوبة على المشيئة؟

437484

تاريخ النشر : 14-03-2023

المشاهدات : 2524

السؤال

إن التوبة تتعلق بالاستغفار، والتوبة من الذنب، والإقلاع، والعزم على عدم العودة، فهل يجوز تعليق عدم العودة للذنب بالمشيئة، بقول إن شاء الله لن أعود لذنب كذا؟

الجواب

الحمد لله.

أقوال الناس تحمل على مقاصدهم؛ لقول رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى  رواه البخاري (1)، ومسلم (1907).

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" الاعتبار بالمعاني والمقاصد في الأقوال والأفعال .. ومن تأمل الشريعة حق التأمل علم صحة هذا بالاضطرار" انتهى من "أعلام الموقعين" (4/552).

ومقاصد الناس في استعمال عبارة (إن شاء الله تعالى) متعددة ، فتارة يقصدون بها الشك والتردد، وتارة يقصدون بها الجزم لكنهم يعلقون الأمر على مشيئة الله ، وتارة يقصدون من استعمالها الجزم ، ولكنهم يذكرونها للتبرك بذكرها.

وبناء على هذا:

فقول العبد: لن أعود إلى الذنب إن شاء الله تعالى.

إن كان تعليق هذه التوبة على المشيئة، بسبب الشك في عزم القلب والتردد.

فهذا التردد لا يصح؛ لأن من شرط التوبة الصحيحة العزم على ترك الذنب عزما جازما.

جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (14/120):

" ذكر أكثر الفقهاء والمفسرين أن للتوبة أربعة شروط: الإقلاع عن المعصية حالا، والندم على فعلها في الماضي، والعزم عزما جازما أن لا يعود إلى مثلها أبدا..." انتهى.

وأما إن كان القصد من ذكر عبارة: "إن شاء الله تعالى" التبرك أو تعليق الأمر على مشيئة الله وليس التردد والشك، فهذا أمر مشروع.

فهذا عزم على فعل في المستقبل فيتناوله عموم قول الله تعالى: ( وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) الكهف (23 - 24).

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:

" فنهى الله أن يقول العبد في الأمور المستقبلة، ( إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ ) من دون أن يقرنه بمشيئة الله، وذلك لما فيه من المحذور، وهو: الكلام على الغيب المستقبل، الذي لا يدري، هل يفعله أم لا؟ وهل يكون أم لا؟ وفيه رد الفعل إلى مشيئة العبد استقلالا، وذلك محذور محظور، لأن المشيئة كلها لله: ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) ولما في ذكر مشيئة الله، من تيسير الأمر وتسهيله، وحصول البركة فيه، والاستعانة من العبد لربه " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 474).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" فالمسلم في الأمر الذي هو عازم عليه، ومريد له، وطالب له طلبا لا تردد فيه: يقول: (إن شاء الله) لتحقيق مطلوبه، وحصول ما أقسم عليه، لكونه لا يكون إلا بمشيئة الله، لا لتردد في إرادته " انتهى من "مجموع الفتاوى" (7/457).

وقد ورد مثل هذا التعليق على المشيئة، كما في قصة شعيب عليه السلام، قال الله تعالى:

 قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ * قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ الأعراف/88 – 89.

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب