الأحد 19 شوّال 1445 - 28 ابريل 2024
العربية

هل يستجاب دعاء الوالد الظالم على ولده؟

437550

تاريخ النشر : 09-05-2023

المشاهدات : 12731

السؤال

أعلم أن الله تعالى قد حرم الظلم على نفسه، فلو دعت أم ظالمة على ابنها بدون سبب فلن يستجيب الله تعالى لها، الإشكال أني وجدت في كتاب " فتح الباري شرح صحيح البخاري" لابن رجب رحمه الله تعالى (388/6)، هذه الجملة: " قال بعض السلف يستجاب دعاؤها، و لو كانت ظالمة"، أريد تفسيرا لهذه الجملة، التي أدخلت الشك في قلبي.

الجواب

الحمد لله.

أولا:

دعاء الوالد لولده أو عليه مستجاب ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ثَلاثُ دَعَوَاتٍ يُسْتَجَابُ لَهُنَّ لا شَكَّ فِيهِنَّ : دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ ) رواه ابن ماجه (3862) وحسنه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (596) . ولفظ الإمام أحمد (7197) : ( وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ)

 .ويستثنى من ذلك أمران:

1-أن يكون الدعاء في وقت الغضب والضجر، وذلك لقوله تعالى : ( وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) يونس/11 .

قال ابن كثير رحمه الله في "تفسيره" (2/554 ): "يخبر تعالى عن حلمه ولطفه بعباده ، وأنه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم ، أو أموالهم ، أو أولادهم ؛ في حال ضجرهم ، وغضبهم ، وأنه يعلم منهم عدم القصد بالشر إلى إرادة ذلك ، فلهذا لا يستجيب لهم - والحالة هذه - لطفاً ورحمة ، كما يستجيب لهم إذا دعوا لأنفسهم , أو لأموالهم , أو لأولادهم , بالخير والبركة والنماء" انتهى .

2-أن يكون الوالد ظالما، فإنه لا يستجاب له.

قال المظهري في "المفاتيح شرح المصابيح" (3/ 132): " لفظ الحديث في كتاب أبي عيسى الترمذي: "دعوة الوالد على ولده"؛ يعني: دعاء الشرِّ، وإنما يكون قبول هذا الدعاء إذا صدر عن الولد عقوقٌ؛ أي: مخالفةُ أمر الوالد فيما يجب على الولد طاعته، فإذا خالفه الولد، يكون الوالدُ مظلومًا، فيستجابُ دعاؤه، كما ذكرنا في المظلوم، وتقاسُ على الوالد الوالدةُ" انتهى.

ثانيا:

مما يدل على عدم استجابة دعاء الظالم، قول النبي صلى الله عليه وسلم في اليهود: (فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، وَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ) رواه البخاري (6401).

قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (11/ 200) : " قوله: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يستجاب لنا في اليهود ، ولا يستجاب لهم فينا.

أي: لأنا ندعو عليهم بالحق، وهم يدعون علينا بالظلم، ذكر فيه حديث عائشة في قول اليهود: السام عليكم، وفي قولها لهم: "السام عليكم واللعنة" وفي آخره: (رددتُ عليهم ، فيستجاب لي فيهم ، ولا يستجاب لهم في) ، ولمسلم من حديث جابر: (وإنا نجاب عليهم ، ولا يجابون علينا) ... ويستفاد منه : أن الداعي إذا كان ظالما على من دعا عليه لا يستجاب دعاؤه ، ويؤيده قوله تعالى : (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال)" انتهى.

ويدل لذلك أيضا: ما روى مسلم (2735) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ).

قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا الِاسْتِعْجَالُ؟

قَالَ: يَقُولُ: (قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ).

قال القرطبي في "المفهم" (22/ 109): " فيدخل في الإثم كل ما يأثم به من الذنوب، ويدخل في قطيعة الرحم جميع حقوق المسلمين، ومظالمهم" انتهى.

ثالثا:

أما قول ابن رجب رحمه في "فتح الباري" (9/320) : " وفي الحديث: دليل على استجابة دعاء الأم على ولدها.

قال بعض السلف: يستجاب دعاؤها عليه، وإن كانت ظالمة" انتهى.

فهذا القول مستنده: إجابة دعوة والدة جريج لما دعت عليه ألا يموت حتى ينظر في وجه المومسات.

وعمومُ الحديث في أن دعوة الوالد مستجابة.

وقد بينا ما يستثنى من هذا العموم.

وحديث جريج رواه البخاري (2482)، ومسلم (2550) وفيه: (فَأَتَتْهُ أُمُّهُ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ فَقَالَ: يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ، فَانْصَرَفَتْ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ فَقَالَ: يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ، فَانْصَرَفَتْ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ، فَقَالَتْ: اللهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى وُجُوهِ الْمُومِسَاتِ).

لكن بين النووي رحمه الله أن أمه لم تكن ظالمة، قال: (فدعت عليه؛ فاستجاب الله لها).

قال العلماء: هذا دليل على أنه كان الصواب في حقه إجابتها؛ لأنه كان في صلاة نفل ، والاستمرار فيها تطوع لا واجب، وإجابة الأم وبرها واجب ، وعقوقها حرام، وكان يمكنه أن يخفف الصلاة ويجيبها ثم يعود لصلاته" انتهى من "شرح مسلم" (16/ 105).

فجعل - رحمه الله - إجابة دعائها، دليلا على أن الحق كان لها.

فالأظهر، والله أعلم: أن دعوة الوالد الظالم لا تجاب.

وإذا قدر أن دعوة أحد الوالدين أجيبت، وهو ظالم، فيكون ذلك ابتلاء له، وابتلاء للولد أيضا؛ كما يكون في عدوان المرء على ولده، أو غيره، وهو ظالم له؛ ثم يؤجر الولد، إن شاء الله، على ما وقع له من مصاب، أو اعتدي عليه بالدعاء وغيره، وهو مظلوم!!

وبكل حال؛ فينبغي اتقاء دعوة الوالدين، فإنه قد يظن الولدُ نفسَه مظلومًا، وهو في الحقيقة عاق ظالم.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب