الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

كيف يتعامل مع بذاءة لسان زوجته؟

437715

تاريخ النشر : 31-08-2023

المشاهدات : 5649

السؤال

أنا شاب، ومتزوج، وقد لاحظت بأن زوجتي تنطق ببعض الكلمات البذيئة، فزجرتها، ومن ثم في يوم من الأيام كان معي هاتف زوجتي، فألقيت نظرة على هاتفها، فإذا به محادثات مع أختها، وغيبة، وكلام بذيء من أختها ومن زوجتي، وكان من ضمنها الحديث عن والدتي وأختي بكلام بذيء، فماذا أفعل، فأنا في حيرة من أمري؟

الجواب

الحمد لله.

الذي ننصح به في التعامل مع مثل هذه الحالة: أن يكون تقويمك لها بالنصح والتوجيه والحوار والإرشاد المباشر وغير المباشر، فتذكر زوجتك بأن المسلمة تبلغ بحسن خلقها درجة الصائم القائم، وأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ ‌الفَاحِشَ ‌البَذِيءَ الترمذي (2002)، وصححه الألباني.

وأن البذاءة في القول مما يخالف أوامر الله، وأنّ بذاءة الزوجة بلسانها مما يخالف أوامر الله ومن أقبح أنواع النُّشوز، وأن الله قد أمر بالإحسان في القول، قال تعالى: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا [الإسراء/53]، وقال: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا البقرة/83.

قال القرطبي رحمه الله: " ينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس لينا، ووجهه منبسطا طلقا، مع البَر والفاجر، والسني والمبتدع، من غير مداهنة، ومن غير أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يرضي مذهبه، لأن الله تعالى قال لموسى وهارون: "فقولا له قولا لينا". فالقائل ليس بأفضل من موسى وهارون، والفاجر ليس بأخبث من فرعون، وقد أمرهما الله تعالى باللين معه.

وقال طلحة بن عمر: قلت لعطاء: إنك رجل يجتمع عندك ناس ذوو أهواء مختلفة، وأنا رجل فيَّ حدة فأقول لهم بعض القول الغليظ، فقال: لا تفعل! يقول الله تعالى: ( ‌وقولوا ‌للناس ‌حسنا )؛ فدخل في هذه الآية اليهود والنصارى، فكيف بالحنيفي". انتهى من "تفسير القرطبي" (2/ 16).

والأحاديث مستفيضة في هذا الأمر، فقد قال صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ البخاري (6018)، وقال: أَلا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ. فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وقَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ! فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ الترمذي (2616) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" (2110).

وفي خصوص البذاء، والنطق بفاحش الكلام، ورد الحديث: عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْحَيَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ، وَالْإِيمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَالْبَذَاءُ مِنَ الْجَفَاءِ، وَالْجَفَاءُ فِي النَّارِ رواه ابن ماجه (4184) وغيره، وصححه الألباني.

وعن عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: حَدَّثَنِي فُلَانٌ - رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم - فَعَرَفَهُ عُمَرُ، فَقُلْتُ: حَدَّثَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

إِنَّ الْحَيَاءَ وَالْعَفَافَ وَالْعِيَّ، عِيَّ اللِّسَانِ لَا عِيَّ الْقَلْبِ، وَالْفِقْهَ: مِنَ الإِيمَانِ، وَهُنَّ مِمَّا يَزِدْنَ فِي الآخِرَةِ، وَيُنْقِصْنَ مِنَ الدُّنْيَا، وَمَا يَزِدْنَ فِي الآخِرَةِ أَكْثَرُ.

وَإِنَّ ‌الْبَذَاءَ وَالْجَفَاءَ وَالشُّحَّ: مِنَ النِّفَاقِ، وَهُنَّ مِمَّا يَزِدْنَ فِي الدُّنْيَا، وَيُنْقِصْنَ فِي الآخِرَةِ، وَمَا يُنْقِصْنَ فِي الآخِرَةِ أَكْثَرُ

رواه الدارمي في "مسنده" (526)، وقال محققه ـ حسين أسد ـ : "إسناده صحيح". انتهى. وينظر أيضا: "السلسلة الصحيحة" رقم (3381).

ويتأكد التنبيه إلى خطورة الغيبة بصورة خاصة، وأنها من الكبائر، وَلَا يَغْتَبْ ‌بَعْضُكُمْ ‌بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ الحجرات/12. 

فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لَمَّا عَرَجَ بِي رَبِّي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ، يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ. فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِم أبو داود (4878)، وصححه الألباني.

ثانياً:

فيما يخص والدتك يتأكد موضوع الوعظ والزجر، وأنه يجب عليها احترامها لكبر سنها، وأن الله عظم قدر الشخص الكبير، فعن أنس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا الترمذي (1919) وصححه الألباني.

قال المناوي رحمه الله:" يُعْطَى الكبير حقه من الشرف والتوقير " انتهى من "فيض القدير" (5/388).

وفي الحديث الآخر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ: إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِط  أبو داود (4843) وصححه الألباني.

ولا ريب أن إكرامها من تمام إكرام الزوج، وأن المرأة العاقلة تحرص على مثل ذلك، ولو أن تتكلفه؛ فإن هذا مما يحببها إلى زوجها، ويصلح العشرة بينهما.

وبكل حال؛

فإن تأديبك لزوجتك، وتنبيهها على ما تقع فيه من فحش القول والبذاء: هو من تمام قوامتك عليها، ورعايتك الواجبة لها، فلا تهمل ذلك، لكن ترفق فيه، ولا تشتط؛ فإن تقويم "الخلق" مما يحتاج إلى صبر، وأناة، ورفق وحسن تأتٍّ للأمور.

فإن لم يجد معها وعظك وتأديبك سبيلا، فانظر في أصلح الأمرين لها، وما يغلب على ظنك من حالها، هل تنتقل إلى درجة أشد من التأديب، أو تكلم ناصحا عاقلا من أبويها، أو إخوتها، إذا كان فيهم من يصلح لذلك المقام.

ثم لا تغفل، وبكل حال: عن أن تجعل لها نصيب من دعائك بهدايتها لاسيما دعاء : (اللهم اهدها لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنها سيئها، فإنه لا يصرف عنها سيئها إلا أنت) وادع به لنفسك، فإنه من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أكمل الناس خلقا. أصلح الله لك زوجتك وأحياكم حياة طيبة.

والله أعلم

 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب