206

إذا ذكر من ظلمه بسوء، فهل بقي له حق يستوفيه منه يوم القيامة؟

السؤال: 438428

قد ظلمني وغدر بي شخص من الأقارب، من خلال إخفاء حقيقة أمر ما، والكذب كي أقدم على أمر ما، وبعد فترة من إقدامي على هذا الأمر انكشفت تلك الأكاذيب، ولم أسامح في حقي، ولم يستسمحني الظالم لأجل مسامحته والعفو عنه، وقد جعلني هذا أشعر بالظلم الشديد؛ لعدم اعتذاره رغم ما فعله، وقد جعلني هذا حين أتحدث عن الأمر أذكره بصفات سيئة عند تحدثي عن الأمر مع أسرتي، ككاذب، ومخادع، وغير محترم، وأشياء من هذا القبيل.
سؤالي هو:
هل سبي لهذا الشخص يحرمني حقي عند الله تعالى في رد مظلمتي منه يوم القيامة؟ مع العلم، لقد استغفرت الله تعالى له بقدر سبي له، مع دعاء الله تعالى إني لم أسامح في حقي، لكنى دعوت الله تعالى أن يغفر له من السيئات مثل ما قدر بدر مني في حقه، لكنى مازلت أريد أن يقتص الله تعالى لي منه، فهل ذلك مازال جائزا في تلك الحالة؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولا :

يجوز للمظلوم أن يدعو على من ظلمه ، أو يسبه بما فيه من الصفات السيئة ، كقوله : يا فاسق، أو يا ظالم ... ونحو ذلك مما هو متصف به ، لقول الله تعالى: لَاْ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيْعًا عَلِيْمًا النساء/148.

قال السعدي رحمه الله في تفسيره (ص/212) : "يخبر تعالى أنه لا يحب الجهر بالسوء من القول ، أي : يبغض ذلك ، ويمقته ، ويعاقب عليه ، ويشمل ذلك جميع الأقوال السيئة التي تسوء وتحزن : كالشتم ، والقذف، والسب ونحو ذلك ، فإن ذلك كله من المنهي عنه الذي يبغضه الله .

ويدل مفهومها أنه يحب الحسن من القول : كالذكر ، والكلام الطيب الليِّن .

وقوله : (إِلا مَن ظُلِمَ) أي : فإنه يجوز له أن يدعو على من ظلمه ويتشكى منه ، ويجهر بالسوء لمن جهر له به ، من غير أن يكذب عليه ، ولا يزيد على مظلمته ، ولا يتعدى بشتمه غير ظالمه ، ومع ذلك فعفوه وعدم مقابلته أولى ، كما قال تعالى : (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)" انتهى.

والعفو عن الظالم ومسامحته أفضل من الدعاء عليه وسبه ، لقول الله تعالى: وَٱلَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْىُ هُمْ يَنتَصِرُونَ . وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ الشورى/ 39-40.

قال السعدي في تفسيره ( ص 760) : "وفي جعل أجر العافي على الله : تهييج على العفو ، وأن يعامل العبدُ الخلقَ بما يحب أن يعامله الله به ، فكما يحب أن يعفو الله عنه، فليعف عنهم ، وكما يحب أن يسامحه الله، فليسامحهم ؛ فإن الجزاء من جنس العمل" انتهى .

وقال القرافي رحمه الله تعالى:

" وأما الدعاء - على الظالم - فقد قال مالك وجماعة من العلماء بجوازه ، والمستند في ذلك قوله تعالى ( وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ) .

لكن الأحسن الصبر والعفو ، لقوله تعالى: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) ، أي: من معزومها ومطلوبها عند الله.

فإن زاد في الإحسان على ذلك ، بأن دعا له بالإصلاح ، والخروج عن الظلم : فقد أحسن إلى نفسه ، بمثوبة العفو ، وتحصيل مكارم الأخلاق ، وإلى الجاني بالتسبب إلى إصلاح صفاته ، وإلى الناس بالتسبب إلى كفايتهم شره، فهذه ثلاثة أنواع من الإحسان لا ينبغي أن تفوت اللبيب " انتهى من "الفروق" (4 / 292 - 293).

ثانيا :

الدعاء على الظالم أو سبه نوع من القصاص ، فجب فيه العدل ، فلا يبالغ المظلوم في الدعاء ، والسب حتى لا ينقلب الأمر ، ويصير هو الظالم بعد أن كان مظلوما .

قال الإمام أحمد رحمه الله : "الدعاء [يعني : على الظالم] قصاص" انتهى من "الفروع" (7/267) .

وقال القرافي رحمه الله تعالى:

"وحيث قلنا بجواز الدعاء على الظالم ... تدعو عليه بأنكاد الدنيا ، ولا تدعو عليه بمؤلمة لم تقتضها جنايته عليك ؛ بأن يجني عليك جناية ، فتدعو عليه بأعظم منها، فهذا حرام عليك؛ لأنك جان عليه بالمقدار الزائد ، والله تعالى يقول : (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) .

فتأمل هذه الضوابط ، ولا تخرج عنها" انتهى من "الفروق" (4 / 294).

وقال الخطيب الشربيني رحمه الله : " إذا سب إنسانٌ إنسانا ، جاز للمسبوب أن يسب الساب بقدر ما سبه ، لقوله تعالى : ( وجزاء سيئة سيئة مثلها ) .

ولا يجوز أن يسب أباه ولا أمه ... وإنما يجوز السب بما ليس كذبا ولا قذفا ، كقوله : يا ظالم ، يا أحمق ، لأن أحدًا لا يكاد ينفك عن ذلك .

وإذا انتصر بسبه فقد استوفى ظلامته ، وبرئ الأول من حقه ، وبقي عليه إثم الابتداء ، أو الإثم لحق الله تعالى " انتهى ." مغني المحتاج " (4/157).

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (138629)، ورقم: (394077).

فعلى هذا ؛ فمن دعا على من ظلمه ، أو سبه ، فقد اقتص لنفسه ، فإن كان هذا الدعاء والسب بمقدار مظلمته ، فقد استوفى حقه ، ولم يبق له حق يستوفيه يوم القيامة ، وإن كان أكثر ، صار هو الظالم المعتدي ، وإن كان أقل ، بقي له شيء من الحق يستوفيه من حسنات الظالم يوم القيامة .

ولك ثواب على استغفارك له.

والنصيحة لك ما دام الأمر قد انكشف ؛ أن تسكتي عن هذا الظالم ، وتكفي عن ذكره بسوء ، والأكمل من ذلك : أن تسامحيه إن كان قد بقي لك عنده حق ، لعل ذلك يكون سببا لأن يعفو الله عنك ويسامحك .

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android