الأحد 23 جمادى الأولى 1446 - 24 نوفمبر 2024
العربية

ما حكم تخصيص يوم الجمعة لعقد مجلس لقراءة الأحاديث النبوية؟

438503

تاريخ النشر : 26-02-2023

المشاهدات : 3635

السؤال

هناك مجموعة -جزاهم الله خيرًا- تقوم بعقد مجلس لقراءة الأحاديث النبوية مرة أسبوعيًا، وتُعقد هذه المجالس كل جمعة، ولعلهم قاموا بتخصيص يوم الجمعة لعقد المجلس لفضل الصلاة على النبي ﷺ فيه، أو لأنه يوم يتفرغ فيه الناس، أو ربما لسبب آخر، فإني لا أعلم حقيقة، ثم يُختم المجلس بتلاوة آيات من القرآن الكريم. فهل هناك محذور شرعي بتخصيص يوم الجمعة لقراءة الأحاديث النبوية، أو بختم المجلس بآيات من القرآن دون تخصيص آيات معينة؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

لا حرج في تخصيص يوم الجمعة لإقامة مجلس لسماع الحديث الشريف، إذا كان التخصيص لكونه يوم فراغ من الأعمال والأشغال مثلا، لا اعتقادا لفضل إقامة المجلس في هذا اليوم؛ فإن تخصيص العبادة بزمن لم يخصها به الشرع، مع اعتقاد الفضل في ذلك: بدعة.

قال الدكتور محمد بن حسين الجيزاني: " قال أبو شامة: (ولا ينبغي تخصيص العبادات بأوقات لم يخصصها بها الشرع، بل يكون جميع أفعال البر مرسلة في جميع الأزمان، ليس لبعضها على بعض فضل إلا ما فضَّله الشرع وخصَّه بنوع من العبادة، فإن كان ذلك؛ اختص بتلك الفضيلة تلك العبادة دون غيرها، كصوم يوم عرفة، وعاشوراء، والصلاة في جوف الليل، والعمرة في رمضان).

وقد بيَّن ابن تيمية المفسدة المترتبة على مثل هذا التخصيص فقال: (من أحدث عملاً في يوم؛ كإحداث صوم أول خميس من رجب؛ فلا بد أن يتبع هذا العمل اعتقاد في القلب.

وذلك لأنه لا بد أن يعتقد أن هذا اليوم أفضل من أمثاله، وأن الصوم فيه مستحب استحبابًا زائدًا على الخميس الذي قبله وبعده مثلاً ، إذ لولا قيام هذا الاعتقاد في قلبه، أو في قلب متبوعه ؛ لما انبعث القلب لتخصيص هذا اليوم والليلة؛ فإن الترجيح من غير مرجع ممتنع).

من هنا يُعلم أن هذا التخصيص يسوغ متى خلا من هذه المفسدة، وذلك بأن يستند التخصيص إلى سبب معقول ، يقصد مثلَه أهلُ العقل ... ؛ كتخصيص يوم الخميس لصلاة الاستسقاء لكونه يومًا يفرغ الناس فيه من أعمالهم، فهو أيسر لاجتماع الناس، وكقصر المرء نفسه على ورد محدد من العبادة يلتزمه في أوقات مخصوصة، كل ليلة أو كل أسبوع، لكون ذلك أدعى لديمومة العمل، وأقرب إلى الرفق، فمثل هذا التخصيص موافق لمقصد الشارع.

أما إذا صار التخصيص ذريعة إلى أن يعتقد فيه ما ليس مشروعًا، فيمنع منه لأمرين:

أولاً: لأجل الذريعة، وثانيًا: لكونه مخالفًا لمعنى التوسعة.

قال الشاطبي: (ثم إذا فهمنا التوسعة، فلابد من اعتبار أمر آخر، وهو أن يكون العمل بحيث لا يوهم التخصيص زمانًا دون غيره، أو مكانًا دون غيره، أو كيفية دون غيرها، أو يوهم انتقال الحكم من الاستحباب - مثلاً - إلى السنة أو الفرض).

وبهذا يتبين أن تخصيص العبادة المطلقة يسوغ بشرطين:

الأول: ألا يكون في هذا التخصيص مخالفة لمقصود الشارع في التوسعة والإطلاق.

والثاني: ألا يوهم هذا التخصيص أنه مقصود شرعًا" انتهى من "قواعد معرفة البدع"، ص 117.

وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "نرجو من فضيلتكم التكرم بإفادتنا عما إذا كان تحديد موعد منتظم أسبوعياً لإلقاء محاضرة دينية، أو حلقة علم، بدعة منهيًّا عنها، باعتبار طلب العلم عبادة والرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن يحدد موعداً لهذه العبادة. وتبعاً لذلك هل إذا اتفق مجموعة من الأخوة على الالتقاء في المسجد ليلة محددة كل شهر لقيام الليل، هل يكون ذلك بدعة مع إيراد الدليل على ذلك؟ وجزاكم الله خيراً.

فأجاب فضيلته بقوله:

إن تحديد يوم معين منتظم لإلقاء محاضرة، أو حلقة علم: ليس ببدعة منهي عنها، بل هو مباح، كما يقرر يوم معين في المدارس والمعاهد لحصة الفقه، أو التفسير أو نحو ذلك.

ولا شك أن طلب العلم الشرعي من العبادات، لكن توقيته بيوم معين تابع لما تقتضيه المصلحة، ومن المصلحة أن يعين يوم لذلك، حتى لا يضطرب الناس. وطلب العلم ليس عبادة مؤقتة بل هو بحسب ما تقتضيه المصلحة والفراغ.

لكن لو خص يوماً معيناً لطلب العلم، باعتبار أنه مخصوص لطلب العلم وحده؛ فهذا هو البدعة.

وأما اتفاق مجموعة على الالتقاء في ليلة معينة لقيام الليل: فهذا بدعة؛ لأن إقامة الجماعة في قيام الليل غير مشروعة إلا إذا فعلت أحياناً، وبغير قصد، كما جرى للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

كتبه محمد الصالح العثيمين في 28/ 5/1415 هـ." انتهى من "مجموع الفتاوى" (26/182).

ثانيا:

لا حرج في ختم مجلس الحديث بتلاوة آيات من القرآن الكريم؛ لعموم فضل تلاوة القرآن وفضل الاجتماع عليها؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ ، وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ رواه مسلم (2699).

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله: " والله قد خلق الصوت الحسن، وجعل النفوس تحبه وتلتذ به؛ فإذا استعنّا بذلك في استماع ما أمرنا باستماعه، وهو كتابه، وفي تحسين الصوت به كما أمرنا بذلك؛ حيث قال :  زينوا القرآن بأصواتكم ، وكما كان يفعل أصحابه بحضرته ، مثل أبي موسى وغيره : كنا قد استعملنا النعمة في الطاعة ، وكان هذا حسنا مأمورا به .

كما كان عمر بن الخطاب يقول لأبي موسى : يا أبا موسى، ذكِّرنا ربنا!! فيقرأ، وهم يستمعون.

وكان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: إذا اجتمعوا، أمروا واحدا منهم أن يقرأ، والباقي يستمعون" انتهى من "الاستقامة" (1/342).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب