أولا:
إذا طلق الرجل زوجته بعد الدخول: استحقت المهر كاملا، مقدمه ومؤخره، سواء كان الطلاق بسبب إخلالها بشرط، أو بطلبها الطلاق، أو لغير ذلك من أسباب.
وإذا كنت شرطتَ عليها أن تحذف الرجال من هاتفها، وأخلت بالشرط، فكان لك أن تضيق عليها لتخالع وتفتدي بالمهر أو غيره، أو ترضى بالطلاق على عوض.
قال الله تعالى: (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) البقرة/229
ولما روى البخاري في صحيحه (4867) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلا دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ، وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً).
وأما الفسخ بعد الدخول: فلا يفيد شيئا في إسقاط المهر.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " أما بعد الدخول فإن لها المهرَ بما استحل من فرجها، فلا يستفيد شيئاً. نعم؛ يستفيد بأنه إذا فسخ لا يحسب عليه من الطلاق" انتهى من "الشرح الممتع" (12/ 192).
ثانيا:
إذا كان الطلاق قبل الدخول والخلوة: فلها نصف المهر؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ) البقرة/ 237
وكان لك أن تفسخ النكاح لعدم وفائها بالشرط، وحينئذ لا تستحق نصف المهر؛ لأن الفرقة قبل الدخول جاءت بسبب منها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ولو شرط عليها أن تحافظ على الصلوات الخمس، أو تلزم الصدق والأمانة فيما بعد العقد، فتركتْهُ فيما بعدُ، فله الفسخ" انتهى من "الاختيارات الفقهية" (ص 219).
فأما لو طلقتَ قبل الدخول، فيلزمك نصف المهر، إلا إن كنت علقت الطلاق بعد العقد على هذه المسألة، فلا يلزمك مهر في قول شيخ الإسلام، وأما تعليق الطلاق قبل العقد فلا يصح ولا يترتب عليه شيء.
فهذه ثلاث صور:
1-أن تكون طلقت طلاقا منجزا غير معلق، فيلزمك نصف المهر.
2-أن تكون طلقتَ طلاقا معلقًا، تلفظت به بعد العقد، ففي لزوم نصف المهر خلاف.
قال في "كشاف القناع" (5/ 149): " (وكذا تعليق طلاقها على فعلها): فإذا فعلت، وقع، وتنصف الصداق؛ لأن السبب وجد من الزوج وهو الطلاق، وإنما هي حققت شرطه والحكم إنما يضاف إلى صاحب السبب.
(وكذا توكيلها) أي توكيل الرجل زوجته قبل الدخول (فيه)، أي في طلاقها، (ففعلته): فينتصف الصداق؛ لأنها نائبة عنه.
وإن طلق الحاكم على الزوج في الإيلاء، فهو كطلاقه؛ لأنه قام مقامه في إيفاء الحق عنه عند امتناعه منه.
(وقال الشيخ: لو علق طلاقها على صفةٍ، من فعلها الذي لها منه بد)، كدخولها دار أجنبي (وفعلته)، قبل الدخول: (فلا مهر لها. وقواه ابن رجب) بما يأتي في مسألة تنجيزها في نفسها، إذا اختارت الفرقة قبل الدخول؛ فإنه لا مهر لها، على المنصوص. لكن إنما تتم المشابهة إذا كان بسؤالها كما يأتي" انتهى.
3-أن تكون طلقتَ طلاقًا معلقًا، تلفظت به قبل العقد، فهذا طلاق لا يصح، فلو عدت الآن وطلقت، لزمك نصف المهر.
قال ابن قدامة في "الكافي" (3/ 138): "لا يصح تعليق الطلاق قبل النكاح، فلو قال لأجنبية: إن دخلت الدار، فأنت طالق، فتزوجها، ودخلت الدار: لم تطلق، لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: لا طلاق ولا عتاق فيما لا يملك ابن آدم وإن عينها رواه الدارقطني. وفي لفظ لا طلاق فيما لا يملك رواه الترمذي، وقال: حديث حسن. وروى أبو داود والطيالسي نحوه" انتهى.
والحاصل:
أنك ما دمت قد طلقت بعد الدخول بزوجتك، كما هو المفهوم المتبادر من سؤالك: فلها مهرها كاملا، بما استحللت من فرجها.
والله أعلم .