الحمد لله.
المشهور عند أهل السير أن أبا جهل هو قاتل سميّة بنت خباط، أم عمار بن ياسر رضي الله عنهم، ومشهور عندهم أنها أول شهيدة في الإسلام.
والأخبار الواردة في قتلها: هي أخبار مرسلة غير متصلة.
روى ابن سعد في "الطبقات" (3/176) قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ:
( أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ الإِسْلامَ سَبْعَةٌ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ وَبِلالٌ وَخَبَّابٌ وَصُهَيْبٌ وَعَمَّارٌ وَسُمَيَّةُ أُمُّ عَمَّارٍ.
قَالَ: فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنَعَهُ عَمُّهُ. [منعه: أي حماه من أذى المشركين].
وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ: فَمَنَعَهُ قَوْمُهُ.
وَأُخِذَ الآخَرُونَ؛ فَأَلْبَسُوهُمْ أَدْرَاعَ الْحَدِيدِ، ثُمَّ صَهَرُوهُمْ فِي الشَّمْسِ حَتَّى بَلَغَ الْجَهْدُ مِنْهُمْ كُلَّ مَبْلَغٍ، فَأَعْطَوْهُمْ مَا سَأَلُوا. فَجَاءَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ قَوْمُهُ بِأَنْطَاعِ الأَدَمِ فِيهَا الْمَاءُ، فَأَلْقَوْهُمْ فِيهِ، وَحَمَلُوا بِجَوَانِبِهِ، إِلا بِلالا.
فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ جَاء أَبُو جَهْلٍ، فَجَعَلَ يَشْتِمُ سُمَيَّةَ، وَيَرْفُثُ، ثُمَّ طَعَنَهَا فَقَتَلَهَا، فَهِيَ أَوَّلُ شَهِيدٍ اسْتُشْهِدَ فِي الإِسْلامِ؛ إِلا بِلالا، فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي اللَّهِ، حَتَّى مَلُّوهُ، فَجَعَلُوا فِي عُنُقِهِ حَبْلا، ثُمَّ أَمَرُوا صِبْيَانَهُمْ أَنْ يَشْتَدُّوا بِهِ بَيْنَ أَخْشَبَيْ مَكَّةَ. فَجَعَلَ بِلالٌ يَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ ).
وروى أيضا في "الطبقات الكبرى" (8 / 207 - 208)، قال: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ أَبُو الْمُنْذِرِ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عن مُجَاهِدٍ قَالَ: ( أَوَّلُ شَهِيدٍ اسْتُشْهِدَ فِي الإِسْلامِ سُمَيَّةُ أُمُّ عَمَّارٍ، أَتَاهَا أَبُو جَهْلٍ فَطَعَنَهَا بِحَرْبَةٍ فِي قُبُلِهَا ).
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد قال: أول شهيد كان في الإسلام استشهد: أم عمار، سمية؛ طعنها أبو جهل بحربة في قبلها. وهذا مرسل " انتهى من "البداية والنهاية" (4 / 147).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" قال ابن إسحاق في "المغازي": حدثني رجال من آل عمار بن ياسر أنّ سمية أم عمار عذّبها آل بني المغيرة على الإسلام، وهي تأبى غيره حتى قتلوها، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يمرّ بعمار وأمه وأبيه، وهم يعذّبون بالأبطح في رمضاء مكة، فيقول: ( صبرا يا آل ياسر، موعدكم الجنّة ) .
وقال مجاهد: أول من أظهر الإسلام بمكة سبعة: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأبو بكر، وبلال، وخباب، وصهيب، وعمار، وسمية. فأما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبو بكر: فمنعهما قومهما. وأما الآخرون فألبسوا أدراع الحديد، ثم صهروا في الشمس، وجاء أبو جهل إلى سمية فطعنها بحربة فقتلها.
أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة، عن جرير، عن منصور، عن مجاهد، وهو مرسل، صحيح السند....
وأخرج ابن سعد بسند صحيح عن مجاهد، قال: أول شهيد في الإسلام سمية والدة عمار بن ياسر، وكانت عجوزا كبيرة ضعيفة، ولما قتل أبو جهل يوم بدر قال النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم لعمار: ( قتل اللَّه قاتل أمّك ) " انتهى من "الإصابة" (13 / 494 – 495).
فالحاصل؛ أن خبر صفة مقتلها وقاتلها، هو خبر مرسل، لكنه مشتهر عند أهل السير، ومثل هذا يقبل ويروى في أحداث السير والمغازي؛ خاصة وأنه ليس فيه ما يستنكر، فقد كانت كل قبيلة من قريش تعذب من يسلم من مستضعفيها، وسميّة رضي الله عنها كانت جارية لبني مخزوم، و قد كان أشد رجل من بني مخزوم عداوة وظلما وتعذيبا للمسلمين هو أبو جهل.
ويراجع جواب السؤال رقم: (255686).
والله أعلم.
تعليق