الحمد لله.
أولًا:
يعكس السؤال قدرًا كبيرًا من الوعي بأبعاد مشكلة الإباحية، ومراتب الناس في التورط فيها، فقد كنت حريصة على التأكد من دوافعه، وعلى سؤاله هل هو مدمن أم لا، وعلى معرفة نوعيته كشخص من جهة العناد أم الاعتراف بالخطأ، وأيضًا وهذه أهم نقطة: وعيك الكبير بأن الزواج لا يحل مشكلة الإباحية بالضرورة.
ثانيًا:
هناك قاعدة أساسية في المشكلات المتعلقة باتخاذ القرار، وهي أنه لا يمكن لأحد لا نحن ولا غيرنا أن يتخذ القرار بدلًا من صاحب المشكلة، والسؤال محمَّل برغبة عارمة في أن نتخذ القرار بدلًا منك، وللأسف هذا غير ممكن، لأنك أنت من ستتعاملين مع تبعات القرار ولسنا نحن؛ لأجل ذلك لابد أن يظل القرار داخل حدود مسؤوليتك.
والحياة مليئة بالغموض وعدم اليقين عند اتخاذ القرارات، ونحن نأخذ قرارتنا مع عدم ضمان مآلاتها، نبذل أحسن ما نستطيع عند اتخاذ القرار، لكن لا يمكننا أن نطلب أن يكون المآل مرضيًا لنا، أو أن تكون هناك ضمانة أننا اتخذنا القرار الصحيح، والصواب أن نعتبر خطأ اتخاذ القرار إن حدث؛ نوعًا من الابتلاء نصبر عليه، وألا نجلد أنفسنا ما دمنا قد بذلنا جهدنا، واستخرنا الله، واستشرنا من نثق به.
ثالثًا:
لا يخلو زواج من نقص، ولا زوج من عيب، القضية كلها تكمن في محاولتنا قياس قدرتنا على التعامل مع العيب والنقص الذي علمنا به قبل الزواج كما في حالتك.
ولكي نفكر تفكيرًا سليمًا هاهنا، لابد أن نفترض استمرار الخاطب في تعلقه بالإباحية بعد الزواج، لا يمكننا أن نفترض تعافيه من ذلك تماما، ولا أن نبني قرارنا على هذا الافتراض.
وبعد أن نفترض هذا الاستمرار، نحاول أن نقيس قدرتنا على التعامل مع هذا العيب، وألمه، واحتياجه للمجاهدة، فإن وجدنا أننا لا نطيق ذلك بحال؛ فلعله أن يكون الأفضل هو عدم الاستمرار في هذه الزيجة، وإن وجدنا أن لنا قابلية على مجاهدة ألم هذا العيب والنقص، في مقابل مميزات الخاطب؛ فهنا يترجح جانب الاستمرار في هذه الزيجة.
ثم هناك عامل آخر مؤثر في اتخاذ القرار الملائم لك، وهو مرحلة السنية، وفرصك في الزواج من غير هذا الخاطب، إن تم رفضه، وفرص العثور على من هو أمثل منه، وأكرم خلقا، وأسد حالا؛ نعم، كل هذا من أمر الغيب، وهو رزق بيد الله سبحانه، لكن المؤشرات العامة غالبا ما تفيد في تكوين غلبة ظن في مثل ذلك.
وإن احترنا تماما، فلم نستطع أن نتبين رجحان أمر في ذلك، يعيننا على اتخاذ القرار الملائم؛ لم يبق إلا اتباع الحدس، والميل النفسي العاطفي، بعد استخارة الله جل جلاله، وسؤاله السداد والتوفيق لما فيه الخير والرشاد؛ فإن وجدنا الصدود وعدم الراحة هو الغالب علينا، ابتعدنا. وإن وجدنا الميل والإقبال هو الغالب علينا، استمرينا، وسألنا الله أن يعيننا على تبعات ذلك.
رابعًا:
إن كان القرار هو الاستمرار فأنت تحتاجين مزيجًا من إعانته على تجاوز البلاء، ودلالته على طرق التعافي، مع شيء من التغافل وعدم المراقبة، وعدم الحرص على معرفة هل ما زال يشاهد هذه الأمور أم لا؟ فشغل نفسك بالموضوع ومتابعته ومراقبته سيضرك، ويضر زواجك.
نسأل الله أن يُلهمك رشدك، وأن يعينك على اتخاذ القرار الأنسب لك ولحالك، وأن يعافي خاطبك من هذا البلاء.
والله أعلم.
تعليق