السبت 22 جمادى الأولى 1446 - 23 نوفمبر 2024
العربية

ما حكم بيع وشراء أراضي الإصلاح الزراعي المنتزعة من أصحابها؟

441113

تاريخ النشر : 12-05-2023

المشاهدات : 7862

السؤال

سؤالي لكم حول شراء أراضي الإصلاح الزراعي، وكما هو معروف في بلدي سوريا، أن الدولة مما يقارب 50 سنة تقريبا قد أخذت أراض زراعية كان يمتلكها ما يعرف بتلك الحقبة بالآغاوات، وملكتّهم للمزارعين الذين كانو يعملون فلاحين عند الأغاوات، ضمن ما يعرف باسم قانون الإصلاح الزراعي، سؤالي لكم: جارٌ لي، وأرضه ملاصقة لأرضي تماما، بصدد بيعها، علما أن والده استلم هذه الأرض بناءً على هذا القرار من زمن طويل، ونظرا لعدم رغبتي بنزول جار سوء بجانب أرضي، أرغب في شرائها، علما أننا لا نعرف من كان يملك هذه الأرض في تلك الحقبة، ولا نعرف إن كان حيا أو ميتا، ولا نعرف أحدا من أفراد عائلته أبدا، فقد مضت سنوات طويلة عليها. فهل يجوز لي شراؤها، وبيعها في المستقبل؟

الجواب

الحمد لله.

الأراضي التي انتزعت من أصحابها على ثلاثة أحوال:

الحال الأولى: إن كان أصحابها قد أخذوا هذه الأراضي من الدولة على سبيل الإقطاع، ولم يملكوه بمالهم، ثم جاء من رأى المصلحة في استرجاع هذا الإقطاع، وتمليكه لغيرهم، فلا حرج عليكم في الانتفاع بهذه الأرض.

قال في "كشاف القناع" (4/ 195): " (وللإمام إقطاع موات لمن يحييه)؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أقطع بلال بن الحارث العقيق، وأقطع وائل بن حجر أرضا وأقطع أبو بكر وعمرُ وعثمانُ وجمعٌ من الصحابة.

 (ولا يملكه) أي المواتَ (بالإقطاع)؛ لأنه لو ملكه ما جاز استرجاعه، (بل يصير) المقطَع (كالمتحجر، الشارعِ في الإحياء)؛ لأنه ترجح بالإقطاع على غيره ...

 (وله) أي للإمام (إقطاع غير موات تمليكا وانتفاعا، للمصلحة) ؛ لما تقدم ...

(والظاهر أن مرادهم) أي الأصحاب (بالمصلحة): التي يجوز الإقطاع لأجلها، (ابتداء ودواما؛ فلو كان ابتداؤه)، أي الإقطاع، (لمصلحة، ثم في أثناء الحال فُقِدت) المصلحة؛ (فللإمام استرجاعها)؛ أي الأرض التي أقطعها؛ لأن الحكم يدور مع علته" انتهى.

الحال الثانية: إن كان أصحابها قد ملكوا هذه الأراضي بأموالهم، فليس لأحد انتزاعها منهم، إلا لمصلحة شرعية معتبرة، كانتزاعها لأجل توسعة مسجد أو مقبرة أو طريق عام، مع تعويضهم عنها تعويضا مناسبا لا يقل عن ثمن المثل؛ لما تقرر في الشريعة من صيانة الملكية الخاصة وتحريم الاعتداء عليها، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ) رواه البخاري (67)، ومسلم (1679).

وقد بحث مجمع الفقه الإسلامي مسألة انتزاع الملكية الخاصة، وتحويلها إلى ملكية عامة، وأصدر فيها ما يلي:

"إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18 - 23 جمادي الآخرة 1408 هـ، الموافق 6 - 11 فبراير 1988. بعد الاطلاع على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص "انتزاع الملك للمصلحة العامة".

وفي ضوء ما هو مسَلَّم في أصول الشريعة، من احترام الملكية الفردية، حتى أصبح ذلك من قواطع الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة، وأن حفظ المال أحد الضروريات الخمس التي عرف من مقاصد الشريعة رعايتها، وتواردت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة على صونها، مع استحضار ما ثبت بدلالة السنة النبوية وعمل الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم من نزع ملكية العقار للمصلحة العامة، تطبيقاً لقواعد الشريعة العامة في رعاية المصالح، وتنزيل الحاجة العامة منزلة الضرورة وتحمل الضرر الخاص لتفادي الضرر العام. قرر ما يلي:

أولاً: يجب رعاية الملكية الفردية وصيانتها من أي اعتداء عليها، ولا يجوز تضييق نطاقها أو الحد منها، والمالك مسلط على ملكه، وله في حدود المشروع التصرف فيه بجميع وجوهه وجميع الانتفاعات الشرعية.

ثانياً: لا يجوز نزع ملكية العقار للمصلحة العامة، إلا بمراعاة الضوابط والشروط الشرعية التالية:

١ - أن يكون نزع العقار مقابل تعويض فوري عادل يقدره أهل الخبرة بما لا يقل عن ثمن المثل. 2 - أن يكون نازعه ولي الأمر أو نائبه في ذلك المجال.

3 - أن يكون النزع للمصلحة العامة، التي تدعو إليها ضرورة عامة، أو حاجة عامة تنزل منزلتها، كالمساجد والطرق والجسور.

4 - ألا يؤول العقار المنزوع من مالكه إلى توظيفه في الاستثمار العام أو الخاص، وألا يعجل نزع ملكيته قبل الأوان.

فإِن اختلت هذه الشروط أو بعضها، كان نزع ملكية العقار من الظلم في الأرض، والغصوب التي نهى الله تعالى عنها ورسوله صلى الله عليه وسلم.

على أنه إذا صرف النظر عن استخدام العقار المنزوعة ملكيته في المصلحة المشار إليها، تكون أولوية استرداده لمالكه الأصلي، أو لورثته بالتعويض العادل" انتهى من "مجلة مجمع الفقه الإسلامي" عدد 4 ج 2 ص 1797 - 1798.

فإن انتزعت الدولة الأرض ولم تعوض أصحابها، فهي في حكم المغصوب، ولا يجوز لأحد أخذها من الدولة أو شراؤها إلا بنية إرجاعها إلى أهلها.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " الأموال المغصوبة، والمقبوضة بعقود لا تباح بالقبض: إن عرفه المسلم: اجتنبه، فمن علمتُ أنه سرق مالاً، أو خانه في أمانته، أو غصبه فأخذه من المغصوب قهراً بغير حق: لم يجز لي أن آخذه منه، لا بطريق الهبة، ولا بطريق المعاوضة، ولا وفاء عن أجرة، ولا ثمن مبيع، ولا وفاء عن قرض، فإن هذا عين مال ذلك المظلوم " انتهى من "مجموع الفتاوى" (29/323).

وقال أيضاً: " وإن كان الذي معهم - أي: التتار - أو مع غيرهم، أموال يعرف أنهم غصبوها من معصوم: فتلك لا يجوز اشتراؤها لمن يتملكها، لكن إذا اشتُريت على طريق الاستنقاذ، لتصرف في مصارفها الشرعية فتعاد إلى أصحابها إن أمكن، وإلا صرفت في مصالح المسلمين: جاز هذا" انتهى من "مجموع الفتاوى" (29/276).

وقال ابن رجب رحمه الله في (القاعدة الثالثة والتسعون): "من قبض مغصوبا من غاصبه ولم يعلم أنه مغصوب: فالمشهور عن الأصحاب أنه بمنزلة الغاصب في جواز تضمينه ما كان الغاصب يضمنه من عين ومنفعة" انتهى من القواعد، ص 210

والواجب حينئذ أحد أمرين: إما رد الأرض إلى أصحابها أو ورثتهم، أو شراؤها منهم بالثمن إذا رضوا بالبيع.

وذلك أن تصرفات الغاصب الحكمية باطلة، فبيع هذه الدولة أو هبتها الأرض لا تصح، والأرض على ملك أصحابها أو ورثتهم.

الحال الثالثة: إن جهل الحال، فلم يعرف كيف تملك أصحاب الأرض أرضهم، ومضى الزمن ولم يعثر على وارث لهم؛ فالظاهر جواز بيعها لمن كانت تحت يده، وجواز الشراء منهم، منعا لتعطيل الانتفاع بها، وتفاديا لوقوعها في يد جار مؤذ.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب