الحمد لله.
إثبات الخطأ الطبي، ومقداره، وما يترتب عليه من ضمان تقرره الجهات المختصة، والقضائية. ولمعرفة التأصيل الشرعي لوجوب الضمان في حال الخطأ الطبي يحسن الرجوع للسؤال التالي ففيه بيان المسألة بأدلتها: (114047).
ويظهر من سؤالك أن الأمر قد تم، وأن وجوب الدية قد لزم، وعليه :
أولاً:
لابد من بذل الوسع في الوصول إلى ورثة الطفل الذي توفي بسبب الخطأ الطبي وتقررت لهم الدية، ولا يكفي الاعتذار بعدم وجود عنوانهم في الملف الطبي. وما دام اسم الطفل واسم أبيه معروفا، فالوصول إليهم سيكون ممكنا بإذن الله من خلال التواصل مع مراكز المعلومات في الدولة. وهذا أصبح سهلا في ظل مراكز المعلومات الإلكترونية. ويجب عليكم فعل ذلك.
ثانياً:
في حال تم بذل كامل الوسع في البحث عن عائلة الطفل، ولم تصلوا إلى عائلته أو أرحامه، ففي هذه الحال:
توضع الدية في بيت المال إذا كان منتظما في الكسب والصرف حسب الضوابط الشرعية، أو تصرف في مصالح المسلمين.
جاء في "الموسوعة الفقهية": " اختلف الفقهاء في التركة التي لا وارث لها، أو لها وارث لا يرثها جميعها، فمن قال من الفقهاء بالرد-جعلها في ذي الأرحام- قال: لا تؤول التركة إلى بيت المال ما دام لها وارث. ومن لا يرى الرد من الفقهاء قال: إن بيت المال يرث جميع التركة، أو ما بقي بعد أصحاب الفروض" انتهى من "الموسوعة الفقهية الكويتية" (11/226).
وقال المرداوي رحمه الله: "فائدة: إذا لم نقل بالرد-أي على ذوي الأرحام-: كان الفاضل لبيت المال، وكذلك مال من مات ولا وارث له. لكن هل بيت المال وارث، أم لا؟ فيه روايتان. والصحيح من المذهب والمشهور: أنه ليس بوارث. وإنما يحفظ فيه المال الضائع" انتهى من "الإنصاف" (7/318).
وقال ابن النجار رحمه الله: " ومال من لا وارث له معلوم: لبيت المال، يحفظه كالمال الضائع؛ لأن كل ميت لا يخلو من بني عم أعلى، إذ الناس كلهم بنو آدم. فمن كان أسبق إلى الاجتماع مع الميت في أب من آبائه فهو عصبة. ولكنه مجهول فلم يثبت له حكم. وجاز صرف ماله في المصالح" انتهى من "شرح منتهى الإرادات" (8/212).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "المال إذا تعذر معرفة مالكه صرف في مصالح المسلمين عند جماهير العلماء كمالك وأحمد وغيرهما، فإذا كان بيد الإنسان غصوب أو عوار أو ودائع أو رهون قد يئس من معرفة أصحابها فإنه يتصدق بها عنهم، أو يصرفها في مصالح المسلمين، أو يسلمها إلى قاسم عادل يصرفها في مصالح المسلمين المصالح الشرعية" انتهى من "مجموع الفتاوى" (29/321).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وبيت المال الذي يتكلم عنه الفقهاء هو الموضع الذي يجمع فيه المال الذي تتولى إدارته الدولة ويمول من عدة أشياء، منها خمس الخمس في الغنيمة وهو الذي يكون لله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، ومنها الأموال المجهول صاحبها، ومنها تركة من لا وارث له، ومصادر بيت المال تكون في مصالح المسلمين عموماً" انتهى، من "الشرح الممتع على زاد المستقنع" (11/388).
وعلى هذا ؛ فإذا بذلتم ما أشرنا إليه من مراجعة مراكز المعلومات، ولم يمكن الوصول إلى عائلة الطفل المتوفى؛ فينبغي أن يتصدق بهذه الدية عن أصحابها ، فتصرف في مصالح المسلمين العامة، ولا مانع أن يعطى منها الفقراء والمساكين .
على أن هذا لا يسقط حق هذه العائلة، متى ظهرت، وطالبت بحقها في الدية، وهذا مما يؤكد وجوب التحري والبحث أولا.
والله أعلم
تعليق