السبت 18 شوّال 1445 - 27 ابريل 2024
العربية

هل يجوز شرب السم في المناظرات؟

444002

تاريخ النشر : 09-05-2023

المشاهدات : 6569

السؤال

إخواني الكرام، قد يبدو سؤالي طفوليا، لكن هذا السؤال حيرني لوقت طويل، ملخص سؤالي هو: ما حكم شرب السم في المناظرات بين مسلم ومسيحي؛ لأن في دين الإسلام ( ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرات، لم يضره شيء)، أما في كتب النصارى ( وإن شَرِبُوا شَيْئًا مُمِيتًا لاَ يَضُرُّهُمْ)، فهل يمكنني تحدي النصارى أو قسيسا على شرب السم؛ لكي نرى من هو دين الحق؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

يحرم تناول ما يضر كالسم؛ لقول الله تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) النساء/29، وقال تعالى: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) البقرة/195.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ) رواه أحمد وابن ماجه (2341)، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه".

قال في "كشاف القناع" (6/189): "ولا يباح كل ما فيه مضرة من السموم وغيرها؛ لقوله تعالى: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة [البقرة: 195] .

وفي الواضح: المشهور أن السم نجس. وفيه احتمال؛ لأكله صلى الله عليه وسلم من الذراع المسمومة.

وفي التبصرة: ما يضر كثيره، يحل يسيره؛ فيباح يسير السقمونيا والزعفران ونحوها، إذا كان لا مضرة فيه؛ لانتفاء علة التحريم" انتهى.

وما ورد عن خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه شرب السم فلم يضره، كرامة من كراماته، والكرامات لا تطلب، ولا يقاس عليها.

وينظر في صحة الأثر: جواب السؤال رقم: (310045).

قال الشيخ الألباني رحمه الله: "هذا الإقدام على العمل الذي أقدَمَ عليه خالد بن الوليد ليس إقدامًا بناءً على تجارب سابقة ، وإنما هو ثقة منه بالله عز وجل، وهذا من الأمور الخارقة للعادة التي لا يُقاس عليها ، ولا يحوز أن تُتَّخذ أصلًا يُبنى عليه .

والناس في مثل هذه القصة قصة شرب خالد للسُّمِّ على طرفي نقيض ؛ فمنهم من يُنكر ذلك ، وهو ثابت عنه بالسند الصحيح ، ومنهم من يجعل ذلك أصلًا لمثل هذا الضلال الذي أبطلناه آنفًا ؛ فلا هؤلاء أصابوا ، ولا هؤلاء أصابوا .

قصة خالد بن الوليد في ابتلاعه للسُّمِّ كقصة مشي " العلاء الحضرمي " على ماء البحر حتى وصل للشَّطِّ الثاني ، فكان ذلك كافيًا لحمل المشركين والكفار هناك على الإسلام حينما رأوا مثل هذه الكرامة .

فالأمور التي تجري على خلاف السنن العامة المعروفة هي أمور على خلاف القاعدة ، وما كان على خلاف القاعدة فلا تُتَّخذ قاعدة" انتهى.

ثانيا:

عن أبان بن عثمان، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

(مَنْ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ) .

وقَالَ: فَأَصَابَ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ الْفَالِجُ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ الَّذِي سَمِعَ مِنْهُ الْحَدِيثَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: مَا لَكَ تَنْظُرُ إِلَيَّ؟! فَوَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ عَلَى عُثْمَانَ ، وَلَا كَذَبَ عُثْمَانُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّ الْيَوْمَ الَّذِي أَصَابَنِي فِيهِ مَا أَصَابَنِي : غَضِبْتُ ، فَنَسِيتُ أَنْ أَقُولَهَا.

رواه أبو داود (5088)، ورواه الترمذي(3388) بلفظ:

(مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ)

وقال الترمذي: حسن صحيح غريب. وصححه ابن القيم في "زاد المعاد" (2/338)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".

قال الدكتور عبد الرزاق البدر:

" هذا من الأذكار العظيمة التي ينبغي أن يُحافظ عليها المسلمُ كلَّ صباح ومساء، ليكون بذلك محفوظاً بإذن الله تعالى، من أن يصيبه فجأةُ بلاءٍ، أو ضرُّ مصيبة، أو نحو ذلك. قال القرطبي رحمه الله عن هذا الحديث: " هذا خبَرٌ صحيحٌ، وقولٌ صادق علمناه دليلاً وتجربة، فإنِّي منذ سمعته عملت به فلم يضرَّني شيءٌ إلى أن تركته، فلدغتني عقربٌ بالمدينة ليلاً، فتفكرتُ فإذا أنا قد نسيت أن أتعوذ بتلك الكلمات " - انظر " الفتوحات الربانية " لابن علان (3/100) -

والسُّنَّة في هذا الذِّكر أن يُقال ثلاثَ مرَّات كلَّ صباح ومساء، كما أرشدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلى ذلك.

وقوله: (الَّذِي لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ) أي: مَن تعوَّذ باسم الله فإنَّه لا تَضرُّه مُصيبةٌ من جهة الأرض ولا من جهة السماء.

وقوله: (وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ) أي: السَّميع لأقوال العباد، والعليمُ بأفعالِهم الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السَّماء.

وثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:

(جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا لَقِيتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي البَارِحَةَ، قَالَ: أَمَا لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ تَضُرَّكَ) رواه مسلم (2709)

وفي رواية للترمذي: (مَنْ قَالَ حِينَ يُمْسِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ حُمَةٌ تِلْكَ اللَّيْلَةِ) رقم (3604)

والحُمَةُ: لدغةُ كلِّ ذي سمٍّ كالعقرب ونحوها.

وقد أورد الترمذي عقب الحديث عن سُهيل بن أبي صالح - أحد رواته - أنَّه قال:

(كان أهلُنا تعلَّموها، فكانوا يقولونَها كلَّ ليلةٍ، فلُدغَت جارِيَةٌ منهم، فلَم تَجِدْ لَها وجَعاً) .

فالحديث فيه دلالةٌ على فضلِ هذا الدعاء، وأنَّ مَن قاله حين يُمسي يكون مَحفوظاً بإذن الله مِن أن يَضرَّه لَدْغُ حيَّةٍ أو عقرَبٍ أو نحوِ ذلك " انتهى باختصار من " فقه الأدعية والأذكار " (3/12-14).

فمن قال ذلك بيقين لم يضره السم ولا غيره؛ إن شاء الله.

ثالثا:

لا نرى استعمال ذلك في التحدي والمناظرات؛ لأن الأصل تحريم شرب السم كما تقدم، ولأنه ربما أصيب الإنسان فكان فتنة لغيره وصدا عن دين الله.

والإصابة قد تقع مع قول الذكر السابق؛ لضعف يقين قائله، أو وجود مانع يمنع انتفاعه بالذكر، وظهور أثره عليه.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "والأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح، والسلاح بضاربه، لا بحَدِّه فقط، فمتى كان السلاح سلاحا تاما لا آفة به، والساعدُ ساعدٌ قويٌّ، والمانع مفقود؛ حصلت به النكاية في العدو.

ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير". انتهى من الداء والدواء ص35.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب